في عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، ذهب مجموعة من العلماء الجيولوجيين إلى أفريقيا؛ بحثًا عن الماس والأحجار النادرة، وكان من بين هؤلاء العلماء عالم ياباني يدعى "يوكي"، وكان "يوكي" شابًا قد ناهز الثلاثين من عمره، وكان مليئًا بالحماس والحيوية، وعُرف بالمثابرة وبحبه للمغامرة.
كان يستيقظ مبكرًا في الخامسة صباحًا؛ ليبدأ رحلته اليومية في البحث عن الماس والأحجار الكريمة النادرة، ثم يعود إلى الفندق في العاشرة مساء.
مرت الأيام، ومع ذلك لم يجد "يوكي" أي شيء يُذكر، فقرر بعد مرور أسبوعين آخرين أن يوقف البحث ويعود إلى اليابان، حين كان قد فقد كل الأمل في العثور على شي،، وكانت هذه المرة في حياة "يوكي" التي يتخلى فيها عن هدف من أهدافه.
وفي اليوم الأخير أنهى "يوكي" عمله في الخامسة مساء، وقرر أن يعود إلى الفندق لينهي إقامته، ويعود إلى بلاده، وفي طريقه إلى الفندق قابل طفلًا قد قارب السادسة من عمره، وفي يده حجر كبير ذو شكل غريب، فطلب هذا الطفل من "يوكي" أن يأخذ هذا الحجر منه، مقابل أن يعطيه بعض الحلوى، فأعطاه "يوكي" الحلوى وأخذ منه ذلك الحجر الكبير اللامع، وذهب به إلى الفندق؛ لكي يبحثه بمجهره الخاص به، والذي أحضره معه لهذا الغرض.
وعندها لم يصدق "يوكي" عينيه؛ فأعاد البحث مرة أخرى، ثم مرة بعد مرة، واستمر في إعادة البحث عدة مرات متتابعة لم ينم خلالها دقيقة واحدة، فلقد كان هذا الحجر الذي رآه "يوكي" هو أكبر ماسة شاهدها في حياته، والتي تزيد قيمتها عن العشرة ملايين من الدولارات.
وبعدها كتب "يوكي" في بحثه أن ذلك الطفل كان يمتلك ثروة كبيرة، ولكنه لم يكن يعرف قيمتها؛ فباعها رخيصة، ولو كان يعرف حقيقة قيمتها، لما باعها بهذا الثمن البخس، ولو كان قد علم لكانت سببًا في نجاته هو وعائلته، بل والحي بأكمله من الفقر والجوع.
فكثيرًا من الناس لا يعرف حقيقة قدراته اللامحدودة التي وهبها الله عز وجل له؛ فيضيع وقته، بل وحياته ونفسه رخيصة تمامًا مثل ذلك الطفل الذي لم يعرف حقيقة ما كان بين يديه.
أين أنت الآن؟
هل دعوت صديقًا لزيارتك يومًا ما، ولكنه ضل الطريق، فاحتجت إلى أن تصف له كيف يصل إليك؟ ما هو أول سؤال وجَّهتَه إليه، عندما أخبرك بأنه لم يعرف كيف يصل إلى منزلك بالتحديد؟ لقد سألته: "أين أنت الآن؟ حدد لي موقعك".
كذلك الأمر بالنسبة لك في هذه الحياة، لابد أن تعرف موقعك الحالي لتعلم في أي الاتجاهات تتحرك؟ وكم يلزمك من الزمن للوصول إلى ما تريد؟
اعرف نفسك جيدًا:
بدون معرفة موقعك الآن على خارطة الحياة، لن تستطيع أن تقيس مدى اقترابك أو ابتعادك من أهدافك، ولن تستطيع أن تحدد سرعة سيرك باتجاه مستقبلك.
لعلك تتساءل الآن عن كيفية تحديد الموقع، وتتمنى لو أن هناك بوصلةً أو جهازًا، مثل ذلك الذي يستخدم لمعرفة الإحداثيات على الأرض.
للأسف، ليس الأمر بهذه البساطة، ولكن يمكنك أن تتعلم ذلك، من خلال أسئلة بسيطة تلقيها على نفسك؛ لتعرف موقعك على خارطة الحياة:
· ما الذي يقبل التغيير في حياتك؟ وما الذي لا يقبل التغيير؟
فمن العبث أن تضيع وقتك وجهدك، فيما لا يمكن تغييره.
· ما الذي يمكنك تغييره بمفردك؟ وما الذي تحتاج في تغييره إلى الآخرين؟
ستشعر بالإرهاق والإحباط، لو حاولت بمفردك تغيير ما تحتاج في تغييره إلى مساندة الآخرين، وفي المقابل، ستحرم نفسك لذة النجاح وتهدر مواردك، لو جعلت الآخرين يقومون بما يمكنك القيام به وحدك.
· هل أنت مقتنع بما تقوم به؟
إن عدم القناعة، سيجعلك تستثقل المهمة، وتتعثر في الطريق، بل قد تتوقف عن مواصلة السير، لتجد نفسك في نقطة الصفر مرة أخرى من حيث تشعر أو لا تشعر.
· هل أنت متحمس للوصول إلى أهدافك؟ وهل أحسست بهذا الحماس من قبل؟
كثيرًا ما نشعر بحماس منقطع النظير لأمر ما، ولكنه حماس مؤقت لا يلبث أن يفتر ويفقد زخمه وتبرد حرارته، ولكن لماذا؟ هناك أسباب عديدة لذلك، سنعرض لها لاحقًا، ولكن لا بأس أن تطرح هذا السؤال على نفسك الآن، لتكون مستعدًا للإجابة عليه في حينه.
إن وعيك بكل هذه الأمور ومعرفتك بموقعك الحالي، هو الجسر الذي تحتاجه للعبور من ماضيك إلى مستقبلك.
إذا لم تعرف ما لديك فلن تعرف ما تحتاج:
تعرَّف على القدرات والمهارات، التي تمتلكها لتعمل على تحسينها وتضيف إليها، فهي الأساس الذي ستشيِّد عليه بناء مستقبلك المشرق بإذن الله.
فوجود الإيجابيات فيك، يعني أنك قادر على التغيير والانطلاق للأمام، ومعرفتها سيكون بمثابة المصباح الذي يضيء لك الطريق، عندما تعترضك بعض العقبات أو يضيق صدرك، ويعتريك بعض الضعف البشري الطبيعي.
قد يفيدك لو سألت معارفك وأصدقاءك وأقاربك عن نقاط قوتك، ومواطن التحسين اللازمة؛ لذا تعرّف على القدرات التي تنقصك، والمهارات التي تحتاج إلى اكتسابها وتعلمها.
ليس المقصود هنا أن تنصت السمع للناقدين والسلبيين، وإنما القصد أن تعرف عن نفسك من وجهة نظر الآخرين، نقاطًا محددة وواضحة يمكنك العمل على تغييرها؛ لذلك لا تنزعج، ولا تتوقع أن يكون كل ما يقال عنك جيدًا.
فلا تتوقع المديح والثناء فحسب، بل توقع أن تسمع عن نفسك بعض السلبيات، وهذا بالطبع لا يعني أنك إنسان سيء، بل يعني أنك إنسان فقط.
لنأخذ مثالًا عمليًا:
لنتعرف الآن على بعض النقاط، التي توضح هذه الخطوة الأساسية لخطة التطوير الشخصي (معرفة موقعك الآن)، هل تريد أن تسافر إلى مكة المكرمة للعمرة؟
هذا أمر جيد، ولكنه يحتاج إلى الاستعداد البسيط، أين أنت الآن؟ فإذا كنت في جدة، فإن استعدادك سيكون أقل بكثير مما لو كنت في الكويت.
ما هي قدراتك ومهاراتك وإيجابياتك؟ السيارة الجيدة؟ المال الكافي للسفر؟ المال الكافي لسداد الفواتير التي صدرت عليك، خلال الشهر من هاتف وماء وكهرباء وغيرها؟ الصحة الجيدة؟ هذا حسن، ولكن!
ما هي سلبياتك أو ما ينقصك من مهارات وقدرات؟ عدم العلم بالطريق؟ عدم المعرفة بمناسك العمرة ومبطلاتها؟ الارتباط بالعمل؟ الحاجة إلى سداد قسط مدارس الأبناء؟
من هنا يتضح أنك تملك إيجابيات، تحتاج إلى الاحتفاظ بها وتطويرها مثل: السيارة التي يلزمك صيانتها، وتعبئتها بالوقود، وتجهيزها للسفر الطويل، والمال الكافي للسفر وسداد الفواتير.
ولكن هناك نقطة في خانة السلبيات تحتاج منك إلى العمل عليها، وهي التنسيق والموازنة بين حاجتك إلى السفر، وبين أهمية سداد الفواتير الصادرة عليك في هذا الوقت بالذات، إضافة إلى السلبيات الأخرى التي ذكرناها، والتي يلزمك أن تعمل على تلافيها من خلال زيادة معلوماتك الفقهية المتعلقة بالعمرة، وشراء بعض الخرائط، وجمع المعلومات اللازمة عن الطريق.
هذا هو بالضبط، ما تحتاج إلى فعله في الحياة، فالحياة رحلة، يمكنك أن تجعل منها تجربة مليئة بالإثارة، وأن تترك فيها أثرًا حسنًا وذكرًا طيبًا، كما يمكنك في المقابل أن تجعلها مليئة بالملل والسأم، وأن تكتفي فقط بالنظر إلى قوافل المسافرين.
عقبات على الطريق:
(إن الرغبة المشتعلة والشديدة، هي القوة الدافعة التي تُمَكِنك من التغلب على أي عائق، وتحقيق أي هدف تقريبًا).
بريان تراسي
إن أضخم الحدود أمامك ليست خارجية، بل هي داخلية، في نطاق تفكيرك الخاص، إنها متضمنة في قناعاتك الشخصية، التي تضع الحدود لنفسها بنفسها، وهي تلك القناعات التي تجعلك ترضى بأقل القليل، وتطمئن إلى ما هو أقل من قدراتك الحقيقية بما لا يقاس.
فالكثيرون يعتقدون أنهم لا يتحلون بالقدر الكافي من الذكاء، أو الإبداع، أو الموهبة، بحيث يمكن لهم الوصول لما ينشدون، لكن الحقيقة أن معظم تلك القناعات لا أساس لها من الصحة، وما هي إلا مجرد أباطيل، ولا يحول دونك وما يمكنك إنجازه حقًا إلا حفنة قليلة جدًا من العقبات، باستثناء تلك العقبات الراسخة في عقلك.
وعلى حد قول "هنري فورد": سواء آمنت أنك تستطيع تحقيق أحد الأمور، أو لا تستطيع تحقيقه، فستكون مصيبًا في كلتا الحالتين".
وإليك مسألة مهمة: فليس بوسعك أن ترغب رغبة شديدة في أمر ما، دون امتلاك المقدرة على تحقيقه جنبًا إلى جنب رغبتك في الوقت نفسه، وغالبًا ما يقدم حضور الرغبة في حد ذاتها برهانًا على استطاعتك، وحيازتك لكل ما يتطلبه إشباع تلك الرغبة، وتتمثل مهمتك ببساطة في اكتشاف كيفية القيام بهذا، وتتمثل مهمتك في وضع يدك على جميع الأمور التي بوسعك القيام بها؛ من أجل زيادة احتمالات وتحسين فرص تحقيقك لهدفك، وأن تضطلع بها في جدول زمني ووفقًا لرغبتك.
وأخيرًا:
أختم بقول شيفارد ميد: (إذا أردنا أن نصنع شيئًا رائعًا مميزًا بالفعل على هذا الكوكب، فليس هناك شيء على الإطلاق يمكنه منعنا من هذا)
أهم المراجع:
1. صناعة النجاح، عبد الله بن سلطان السبيعي.
2. أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك، إبراهيم الفقي.
3. ارسم مستقبلك بنفسك، بريان تراسي.
4. أفضل ما في النجاح، كاترين كاريفلاس.
5. الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.