يشعر الكثير من التلامذة بالحماسة مع حلول موعد العودة الى المدرسة، فينشغلون بشراء الكتب المدرسية والقرطاسية ويتحوّل البيت إلى خليّة نحل الكل فيها متأهبون لهذه العودة المحمودة. ولكن ينتاب بعض التلامذة القلق خصوصًا أولئك الذين ينتقلون من مرحلة مدرسية إلى أخرى، والقلق الأكبر يكون لدى التلامذة الذين ينتقلون إلى المرحلة الثانوية، مما يعني أنهم يقتربون من تحديد هويتّهم في المستقبل... ماذا سيدرسون في الجامعة؟ وهل سيجتازون هذه المرحلة بنجاح وسلام؟ وهل سيستوعبون المنهج المدرسي الجديد؟ فالسنوات الثلاث المقبلة تتطلب الكثير من الجهد والدرس...
التقت الاختصاصية في التربية الدكتورة نجوى جريديني التي تحدثت عن دور الأهل في مساندة أبنائهم الذين ينتقلون من مرحلة مدرسية إلى أخرى. من الابتدائي إلى المتوسّط أولى الخطوات نحو الاستقلال الذاتي
تقول جريديني: «من المعلوم أن الانتقال إلى المرحلة المدرسية المتوسطة ترافقه مرحلة انتقالية تسبق المراهقة تمتد ما بين 11 سنة و13 سنة، وهي مرحلة دقيقة، إذ أن الطفل لم يعد طفلاً يريد اللعب طوال الوقت ولم يصبح مراهقاً بعد، مما يجعله يمرّ في تقلبات سلوكية سببها التغييرات البطيئة التي تحصل على الصعيدين الفيزيولوجي والنفسي. فهو بدأ يدرك ذاته كشخصية فريدة ومستقلة تنظر إلى الأمور في شكل واقعي ومنطقي، ويحاجج الكبار أحياناً، ويحاول أن يتكلم مثلهم ويستعمل منطقهم في النقاش.
وسرعان ما يتبين أنه لا يملك ما يكفي من الخبرة والمعرفة لخوض ذلك النقاش. إذًا خلال مرحلة الانتقال من الابتدائي إلى المتوسط يتغيّر معطى مهم عند التلميذ، ففي المرحلة الابتدائية وكما كل الأطفال، كان التلميذ يخضع لرغبة أهله وأساتذته فينّفذ كل ما يطلب منه، أما مع بداية المرحلة المتوسطة فيميل إلى المطالبة بتحمّل مسؤولية القيام بواجباته وحده وهذا طبيعي جدًا. ولكن هذه الحرية لا تمنح، بل تكتسب ومن دون ذلك ليس لها قيمة. فمن الضروري الأخذ في الاعتبار وجهة نظره، ومنحه حرية التصرّف، ولكن في الوقت نفسه من الضروري أن يستمر الأهل في الاهتمام بواجباته المدرسية وتجنب القول له: "واجباتك المدرسة مسؤوليتك وحدك من الآن فصاعدًا». فهذه العبارة تجعله يشعر بالإهمال، إذ ليس سهلاً أن نجعل التلميذ مسؤولاً عن كل ما يقوم به دفعة واحدة، خصوصًا من اعتاد على المتابعة المكثفة من أهله».
وتشير الإختصاصية إلى أن الأهل والتلميذ يتطلّعون إلى الانتقال إلى المرحلة المدرسية المتوسطة بفارغ الصبر، فهي خطوة كبيرة تتطلب الاستعداد النفسي والأكاديمي للتكيّف مع متطلباتها، إذ يدرك الأهل والتلميذ الاختلاف بين المرحلة الابتدائية والمرحلة المتوسّطة، وفي بعض الأحيان يعيشون هذا الحدث كما لو أنه انتقال إلى مدرسة جديدة. فالاختلاف الذي ينتظر التلميذ لا يقتصر على الصعيد النفسي، بل يشمل مواد مدرسية جديدة لا تخلو من صعوبة تقتضي فروضًا مدرسية إضافية في المنزل، والتعامل مع أساتذة جدد وارتياد مبنى مدرسي جديد فضلاً عن زملاء وربما أصدقاء جدد. كل هذا يشكّل قلقًا عند التلميذ، فتختلط المشاعر وتتفاوت بين الشعور بالحماسة لدخول مرحلة مختلفة والقلق من المسؤوليات الجديدة التي تلقى على عاتقه. إضافة إلى هذا، يتأثر التلامذة بخبرات من سبقهم إلى هذه المرحلة وما سمعوه عنها، فمثلاً عندما يكون للتلميذ أخ سبقه إلى المرحلة المتوسطة وواجه صعوبة قد يعاني قلقًا من هذه المرحلة خصوصًا إذا أبدى الأهل تشدّدًا في ضرورة أن يدرس بشكل مكثّف لأنها مرحلة دقيقة ويذكّرونه بذلك في كل مرّة يريد فيها مثلاً أن يقوم ببعض النشاطات التي اعتاد عليها سابقًا. فأحيانًا كثيرة يردد الأهل على مسمع التلميذ «أنت في مرحلة دقيقة ولا يمكنك التهاون فيها، ذهب وقت اللعب وبدأ مشوار الجد». فهذه العبارة توتر التلميذ وتزيد قلقه وقد تعيق تقدّمه المدرسي».
وتنصح جريديني الأهل الذين يستعد أبناؤهم للانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة باتباع الإرشادات الآتية:
- مشاركة الأهل الأبناء في التخطيط للدخول إلى هذه المرحلة والتفاعل معهم، لأن التأثر بالأتراب أكبر في هذه المرحلة، لذا فإرشاد الأهل ضروري.
- التركيز على ما هو مشترك بين المرحلة السابقة والمرحلة المقبلة، كالرفاق القدامى الذين انتقلوا مع التلميذ إلى المرحلة نفسها، والمواد الرئيسية والنشاطات الللامنهجية، وذلك للتخفيف من الضغط الذي يسببه الانتقال إلى مرحلة جديدة.
- التركيز على قدرات التلميذ لتمكينه من التكيّف ومواجهة تحديات المرحلة الجديدة مما يؤدي إلى تخطيها بنجاح.
- تشجيع التلميذ على استعمال معارف ومهارات جديدة والتأكيد له أن انتقاله إلى هذه المرحلة مؤشر لنجاحه ونضجه الفكري.
- الاستفادة من الخبرات السابقة السلبية والإيجابية معًا. وذلك بإرشاده إلى تجنب السلبي والبناء على الإيجابي. والتأكيد للتلميذ أن الإخفاق السابق نتعلّم منه دروسًا، أما الإنجازات فنبني عليها للقيام بإنجازات جديدة على الصعيد الأكاديمي والشخصي.
- تقسيم المهمات الكبرى إلى مهمات صغرى، لحل الصعوبات التي قد تنتج عنها