سلسلة اختيار التخصص (الحلقة الأولى): قرار وقرار!


معظمنا يبدأ حياته وبيده معطيات متقاربة مع أقرانه، ولكن الحياة علمتنا أننا في النهاية لا ننجح جميعنا في تحقيق أحلامنا. توفيق رب العالمين أمر نجمع عليه، ولا نشك فيه. ولكننا مأمورين بأن نأخذ بالأسباب، ونعمل ونجتهد ونفكر. وجزء من عملية نضوجنا، وإنتقالنا إلى سن الرشد، أن نتعلم كيف نتخذ القرارات. فالقرارات قد تكون مصيرية، وتترتب عليها أمور كثيرة في الحياة. اتخاذ القرار الصحيح، قد يعني وصولك إلى حلمك، وإخطائك في قراراتك قد يتسبب في تعقيد حياتك وتشتيت مجهوداتك...
في هذا المقال سنتحدث عن أنواع القرارات، وعملية إتخاذ القرارات مع التركيز على القرارات المهمة، كقرار اختيار التخصص الجامعي.

أنواع القرارات:

هناك نظريات عديدة لتصنيف القرارات، وكل نظرية منها تركز على زاوية مختلفة. النظرية التي سأستخدمها هي نظرية “أنواع القرارات الشرائية للمستهلك” الأساسية لدى المتخصصين في مجال التسويق. هذه النظرية بسيطة، ويمكن تطبيقها على عملية الشراء للبضائع، ورأيت أنها أيضاً يمكن تطبيقها على قرارات الحياة أيضاً.

في هذه النظرية تنقسم أنواع القرارات إلى أربعة أنواع:
  • قرارات ثانوية جديدةمثال على هذا النوع من القرارات، تجربة عصير جديد، أو مطعم. القرارات هنا غير مهمة لحياتك أو لتطوير قدراتك. فلو قررت أنك ستشرب عصير “أ” بدل عصير “ب” أو العكس أو لم تشرب أي النوعين لن يكون هناك تغيير أو تأثير رئيسي على سير الحياة. قد تود القيام ببحث مختصر أو سؤال زميل عن أفضل نوع، ولكن لا تضع وقتك الثمين في هذا النوع من القرارات. البعض قد يصابون بالخوف من الأشياء الجديدة، فيقضي الوقت بالسؤال والقراءة عن شيء غير مهم قبل إتخاذ قرار تجاهه.
  • قرارات ثانوية مكررةالمثال هنا، قرار حيال إعادة زيارة صديق، أو إعادة شراء منتج من السوق. القرارات هنا غير مهمة، وأيضاً أنت لديك خبرة سابقة فيها. فالأفضل أيضاً أن لا تضيع الوقت في التفكير في الخيارات. طبعاً هذا مالم تكن التجربة السابقة سيئة أو لم تعجبك، فهنا يتحول القرار إلى قرار ثانوي جديد.
  • قرارات رئيسية جديدةهذه أهم أنواع القرارات، وغالباً مايبنى نجاحك أو فشلك عليها. من الأمثلة على هذه القرارات، اختيار الزوج، الوظيفة، التخصص، أو شراء جهاز أو آلة مكلفة. تشترك هذه القرارات بأن أثرها سيبقى معك لسنوات عديدة وربما لبقية حياتك. ولذلك في هذا النوع من القرارات يجب أن تبذل قصارى جهدك وحتى مالك لتتأكد من أنك درست الموضوع جيداً ولم تختر خياراً سيتسبب في تعقيدات مستقبلاً.
  • قرارات رئيسية مكررة. بمرور سنوات عمرك، ستمتلك خبرة بإتخاذ القرارات وستصل للنضوج الذي معه سيصبح العديد من القرارات أمراً مكرراً وروتينياً، قد لاتحتاج لقضاء الكثير من الوقت والجهد في التفكير. لا يعني ذلك أنك لن تصادف قرارات رئيسية جديدة، ولكن خبرتك في الحياة ستحد من كثرة الخيارات وبالتالي لن تحتاج للكثير من البحث.
الآن وقد تعرفنا على أنواع القرارات ما هي الخطوات الأمثل للتفكير وإتخاذ قرار رئيسي جديد؟

خطوات إتخاذ قرار مهم:

1. رسم الحدود:
في هذه الخطوة، تقوم بإكتشاف جميع الخيارات المتاحة لديك. من الأمور التي ستحد التخصصات المتاحة لديك:
  • شروط القبول في التخصص أو الجامعة. مثلاً نسبتك في المرحلة الثانوية، أو حالتك الجسدية كضعف النظر للطياريين، أو ثبات اليد للجراحين.
  • قدراتك الذهنية والجسدية، وأنت أعلم الناس بقدراتك وميولك. قد لا تحب الرياضيات وربما تخاف من التشريح.
  • تكلفة الدراسة، وهذا يشمل تكلفة المال وتكلفة الوقت. المال يرتبط برسوم وتكاليف الدراسة، بينما الوقت يتعلق بمدة الدراسة كأن يتوجب عليك التخرج خلال عدد معين من السنوات لترتبط ببرنامج أو إلتزام معين.
  • مكان الدراسة، كأن لا تستطيع السفر، أو الغياب عن أهلك لمدة معينة.
بعد هذه الخطوة سيصبح لديك قائمة بتخصصات هي الأقرب والأنسب لنفسك.
2. جمع المعلومات:
الآن ستبدأ البحث عن معلومات واكتشاف التخصصات من القائمة التي حصلت عليها في الخطوة الأولى. من الأمثلة على الأمور التي قد تود البحث عنها:
  • التعريف بالتخصص.
  • عدد سنوات الدراسة.
  • مكان الدراسة.
  • أسلوب الدراسة.
  • نوعية المواد الدراسية.
  • طبيعة ومكان العمل بعد التخرج.
  • مجالات مواصلة الدراسة أو التطوير الذاتي بعد التخرج.
طبعاً لا يتوجب عليك الإلتزام بالنقاط السابقة، يمكنك إضافة نقاط أو حذف نقاط كما تشاء. ويمكنك البحث عن هذه المعلومات من خلال مواقع إلكترونية مثل ويكيبيديا الإنجليزية واستخدم قوقل للترجمة، مواقع الجامعات، وسؤال المتخصصين والخريجين. وينبغي عليك أن تكون حذراً عن سؤال المتخصصين والخريجين، لأن البعض لا شعورياً يحب إمتداح تخصصه، والتسويق له، فلذلك أحرص على جمع المعلومات الغير مظلله والواقعية.
3. التجربة:
طبعاً هذه الخطوة جداً مهمة ولكن تطبيقها قد يكون صعباً أحياناً، خصوصاً إن كان وقتك ضيقاً والتخصصات المتاحة لديك عديدة. فالأفضل إتباع هذه الخطوة حينما تخطط لإختيار التخصص باكراً، سواء من خلال العمل الجزئي أو الصيفي أو زيارة مكان العمل. ومن الأفكار التي أعتقد أنها جيدة هنا التخيل، بعد جمع كمية معلومات عن التخصص وفرص العمل المستقبلية. تخيل نفسك تخرجت وبدأت العمل، هل تشعر بأن طريقة العمل وآليته ستناسبك؟
4. المميزات والعيوب:
بعد أن أصبح لديك تصور جيد عن التخصصات في قائمتك، حان الوقت لتحديد مميزات وعيوب كل تخصص. وهذه المسألة نسبية، فما قد تجده عيباً قد يكون ميزة في نظر غيرك. فكر في كافة العيوب والمميزات التي تخطر على بالك لكل تخصص وسجلها في ورقة. ولاحظ أن العيوب والمميزات منها ما هو متعلق بسنوات الدراسة، ومنها ما هو متعلق بالعمل بعد التخرج، وأيضاً منها ما هو متعلق بحياتك الإجتماعية. من الأمثلة على العيوب:
  • الجامعة بعيدة عن البيت، وسأحتاج للقيادة ساعة يومياً للوصول للجامعة.
  • تكاليف الدراسة غالية.
  • المواد الدراسية صعبة.
  • سوق العمل لهذا التخصص مكتض بطالبي العمل.
  • موظفي هذا التخصص عادة ما يقضون وقتاً أطول من غيرهم في العمل.
  • لن أتمكن من الدراسة مع أصدقائي.
ومن المميزات مثلاً:
  • عدد سنوات الدراسة قليلة.
  • عادة ما تتاح فرصة للعمل التعاوني أثناء الدراسة.
  • الطلاب يحصلون على عقود عمل قبل التخرج.
  • فرص أكثر لإكمال الدراسات العليا.
  • رواتب الموظفين عالية.
  • خيارات أكثر للتخصصات الفرعية.
5. الدوافع الخفية:
أحياناً قد يتواجد لديك دوافع أو مخاوف خفية، قد لا تعرف عنها أو لا تعترف بها لنفسك. وربما هذه الدوافع تؤثر على عملية إتخاذك للقرار، أو تتسبب في اختيارك للخيار الخاطئ أو في أحسن الأحوال تخدعك أثناء عملية بحثك، وتجعلك تتجاهل خياراً قد يكون هو الأفضل لك. ابحث في داخل نفسك:
  • هل أنت متأكد أنك تبحث في كافة الخيارات بصدق، أو أنك قمت باختيار أحد التخصصات مسبقاً وتقوم بالبحث عن المميزات والعيوب بناءاً على ذلك؟
  • هل هناك ضغوط خارجية، سواء من أصدقائك أو عائلتك، تؤثر على عملية اختيارك وتجعل احد التخصصات أفضل من غيره؟
  • هل أنت خائف من اختيار احد التخصصات، سواء خوف نفسي أو من أطراف خارجية؟
حاول التخلص أو التقليل من هذه الضغوط للحد الأدنى كي يكون بحثك وبالتالي قرارك هو أفضل ما تستطيع التوصل إليه.
6. الحلول الوسط:
بعد أن قمت بجمع المميزات والعيوب الخالية من الدوافع الخفية، لا بد وأنك قد قلصت عدد الخيارات المفضلة إلى عدد بسيط. الآن تنقل بين مميزات وعيوب كل تخصص، وابحث عن حلول وسط لحل الإشكاليات أو للتغلب على عيوب في أحد التخصصات. مثلاً، لو كان أحد عيوب التخصصات المفضلة لديك، التكاليف الدراسية المرتفعة، قد تقول لنفسك يمكنني البحث عن عمل جزئي للحصول على مبلغ مادي يسندني. أو أحد التخصصات مواده الدراسية صعبة، فتقول لنفسك أنا تعودت أن أدرس عشرة ساعات في الأسبوع، ولكن لهذا التخصص سأدرس عشرين ساعة في الأسبوع.
الآن قد تجد بأن بعض التخصصات قد تقلصت عيوبها وقد تصبح خياراً مفضلاً بعد أن كانت خياراً متأخراً.
7. التوقف عن البحث:
قاوم الإغراء لعمل المزيد من البحوث، والشعور بأنك لم تبحث جيداً وأنك ستجد معلومة ستغير نظرتك عن كل الخيارات. بكل تأكيد هذا بعد أن تجمع كمية من المعلومات حول التخصصات وتتصفح عدد من المواقع وتقرأ عن التخصصات. وتذكر أنك مهما قرأت وبحثت فإنك لن تستطيع قراءة كل ما يتعلق بتخصص ما، وبالتالي بمجرد ما تحصل على فكرة رئيسية عن تخصصاتك، ومميزاتها وعيوبها الخالية من الدوافع الخفية، فأنت أديت الواجب على أتم وجه إن شاء الله تعالى.
8. الإستخارة:
كمسلمين موضوع الإستخارة ثابت لدينا، وهي عبارة عن ركعتين غير الفريضة تصليها لله تعالى وتسأله فيها أن يعينك ويرشدك إلى مافيه الخير لك، ويبعدك عمّا فيه شر لك. وهناك دعاء صحيح تدعوه بعد أداء الصلاة أو أثناءها وهو:
“اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ , وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ (هنا تسمي حاجتك ) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ : عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ , فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ . وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ”. (المصدر)
9. الأفكار الطارئة:
قد تستجد عليك أمور في اللحظات الأخيرة، أو بعد أن اخترت احد الخيارات مبدئياً. لا خطأ في التغيير أو التعديل، فقد تكتشف شيئاً جديداً أثناء تسجيلك في الجامعة، أو حديثك مع أحد زملائك. لكن دائماً لا تتسرع، تأكد من المعلومة واعد حساباتك واتخذ قرارك.
10. اتخاذ القرار:
بعد أن اتبعت الخطوات السابقة، بحثت، وفكرت، واستخرت.. توكل على الله واتخذ القرار. لا تلتفت للوراء، فأنت اجتهدت وعملت وبحثت وبعدها اتخذت القرار والتوفيق سيأتيك إن شاء الله من رب العالمين.