هبة الله الغلاييني
هل تتذكر بدايات هذا القرن؟ هل تذكر بعض الأحداث التي جرت في العقد المنصرم؟
فكّر للحظة واحدة. أين كنت عند ذاك؟ كيف كنت؟ من كان أصدقاؤك؟ ماذا كانت أحلامك وآمالك حينذاك؟ ولو سألك أحدهم عندئذٍ " أين ستكون بعد عشر أو خمس عشرة سنة...
فبماذا كنت تجيبه؟ هل تقيم الآن في المكان الذي كنت حينذاك تريد أن تكون فيه؟ يمكن لعقد من الزمن أن يمر بسرعة البرق، أليس كذلك؟
قد يكون الأهم من ذلك أن نسأل أنفسنا: " كيف سأعيش السنوات العشر القادمة من حياتي؟ كيف سأعيش يومي هذا لكي أصل إلى الغد الذي التزمت بتحقيقه؟ ما الذي سأدافع عنه منذ الآن، وما هي الأمور المهمة بالنسبة لي على المدى الطويل؟ ما هي الأفعال التي يتوجب عليّ القيام بها اليوم والتي من شأنها أن تشكّل مصيري النهائي؟ "
لا شك بأنك ستكون في موقع ما بعد عشر سنوات بإذن الله، ولكن السؤال هو: أين؟ ماذا ستكون قد أصبحت؟ كيف ستعيش حينذاك؟ ما الذي ستساهم به عندئذ؟ الآن هو وقت تصميم السنوات العشر القادمة من حياتك، وليس بعد أن تنتهي تلك السنوات.
إن أقوى سبيل لتشكيل حياتنا هو أن نحمل أنفسنا على القيام بالعمل. والفرق في النتائج التي يحصل عليها الناس تتأتى من الطريقة المختلفة التي قاموا فيها بالعمل بالمقارنة مع آخرين في نفس الوضعية. فالأفعال المختلفة تتيح نتائج مختلفة. لماذا؟ لأن كل فعل هو سبب تم وضعه على طريق التنفيذ، وتأثيره مبني على تأثيرات سابقة تحركنا في اتجاه محدد وكل اتجاه يؤدي إلى وجهة نهائية: هي قدرنا. جوهر المسألة هو أن علينا أن نسيطر على أفعالنا المستمرة إذا كنا نريد أن نتولى زمام المبادرة في توجيه حياتنا. إذ إن ما يشكّل حياتنا ليس ما نفعله بين آونة وأخرى، بل ما نفعله بصورة مستمرة. فمفتاح الأمور إذاً والقضية الأكثر أهمية هي هذه: ما الذي يسبق كل أفعالنا؟ ما الذي يقرر الأفعال التي نقوم بها، وبالتالي، من نصبح وما هي وجهتنا النهائية في حياتنا؟ وما هو الأب الذي ينجب أفعالنا؟
الجواب هو قوة اتخاذ القرار. فكل شيء يحدث في حياتنا سواء أكان يسعدك أم يتحداك- بدأ بقرار- إنني أعتقد بأن اللحظات التي تتخذ فيها قراراتك هي التي تشكّل حياتك. والقرارات التي تتخذها في هذه اللحظة، وفي كل يوم هي التي تشكّل ماهية شعورك اليوم، وما الذي ستصبح عليه في هذا العقد، وما بعده.
هل عانيت من مشاعر تراجيدية أو من الشعور بالإحباط أو الظلم أو اليأس خلال العقد الأخير من حياتك؟ إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لك فماذا قررت أن تفعل بهذا الشأن؟ هل قررت أن تندفع إلى أقصى الحدود، أم اكتفيت بالاستسلام؟ وكيف شكّلت هذه القرارات مسار حياتك الحالي؟
إن قراراتنا، وليست ظروف حياتنا هي ما يقرّر مصيرنا أكثر من أي شيء آخر. هناك من ولدوا وهم يتمتعون بامتيازات خاصة، امتيازات جينية أو بيئية، أو عائلية أو امتيازات علاقات خاصة. غير أننا، نلتقي أو نقرأ أو نسمع من أشخاص فجروا بالرغم من كل شيء كل الحدود التي تفرض عليهم ظروفهم باتخاذ قرارات جديدة حول ما سيفعلونه بحياتهم. لقد أصبحوا أمثلة للقوة اللامحدودة للروح البشرية.
إذا قررت، فإننا نستطيع أن نجعل حياتنا أحد هذه الأمثلة. ولكن كيف؟ ببساطة، باتخاذ قرارات هذا اليوم حول الكيفية التي سنعيش فيها في العقد المقبل، وما بعده من حياتنا. فإذا لم تتخذ أي قرارات حول كيفية تسيير حياتك، فإنك ستكون في الواقع قد اتخذت قراراً، أليس كذلك؟ ستكون قد اتخذت قراراً بأن يوجهك محيطك بدلاً من أن تتولى أنت تشكيل مصيرك. فإن لم تحدد مقاييس أدنى ما يمكنك أن تقبله في حياتك فستجد أنك ستنزلق بسهولة إلى أنماط سلوك ومواقف، أو نوعية حياة هي أدنى بكثير مما تستحقه في الواقع. عليك أن تحدد تلك المقاييس وتعيش بموجبها مهما واجهك في حياتك. وحتى لو انقلبت أمورك رأساً على عقب، وحتى لو انهار سوق الأسهم المالية، أو هجرك من تحبهم، أو حتى إن لم تحصل على الدعم الذي تحتاجه فعليك أن تبقى ملتزماً بقرارك بأنك ستعيش حياتك على أعلى مستوى لها.
غير أن معظم الناس لا يفعلون ذلك قط لأنهم يقضون وقتهم وهم يحاولون ابتداع الأعذار لأنفسهم. أما السبب في عدم تحقيقهم لأهدافهم أو في عدم ممارستهم نوع الحياة التي يرغبون فيها، فيعود، حسب زعمهم، لأن والديهم عاملوهم بطريقة معينة، أو بسبب عدم توفر الفرص أمامهم أثناء فترة شبابهم، أو بسبب عدم تلقيهم التعليم المناسب، أو لأنهم تقدموا في العمر، أو لأنهم ما زالوا حديثي السن. كل هذه الأعذار ما هي إلا ما يمكن أن نطلق عليه تعبير " أنظمة معتقدات "، وهي لا تمثل عوائق فقط تحدّ من الفرص المتوفرة لك في حياتك، بل إنها في الواقع أعذار مدمرة.
إن استخدام قوة القرار يعطيك القدرة على تجاوز أية أعذار تحول دون إجرائك تغييرات في أي جانب من جوانب حياتك في التو واللحظة، إذ يمكنها أن تبدّل علاقاتك، وبيئة عملك، ومستوى لياقتك البدنية، ودخلك، وحالتك العاطفية. وهذه القوة هي التي ستقرر إن كنتَ سعيداً أم حزيناً، إن كنت محبطاً أم تتفجر حيوية ونشاطاً، تستعبدك الظروف أم تعبّر عن حريتك. إنها مصدر التغيير في داخل أي فرد وعائلة ومجموعة ومجتمع، بل وفي عالمنا كله.
كثيراً ما أسأل صديقاتي اللواتي يشتكين مما يمارسنه من أعمال: " لماذا ذهبتِ إلى عملك اليوم؟ " وجوابهن يكون عادة: " لأنه كان عليّ أن أفعل ذلك "، غير أنه يمكننا القول إنه لم يكن يلزمك أن تستمر في القيام بما كنت تقوم به من عمل في السنوات العشر الماضية إن كانت هنالك فرص أخرى يمكن لها أن تتوفر لك. يمكنك أن تقرر أن تفعل شيئاً آخر، شيئاً جديداً، اليوم. يمكنك أن تتخذ قراراً في هذه اللحظة بالذات. عُد للدراسة، اعمل على السيطرة على أمورك المالية، تعلّم مهنة جديدة، تعلّم الفرنسية مثلاً، ابدأ في القراءة لأطفالك، في قضاء وقت أطول في العناية بالنباتات. يمكنك في الواقع أن تفعل أي شيء إن قررت ذلك فعلاً. فإن لم تكن ترتاح للعلاقة الحالية فقرّر تغييرها. إن كنت لا تحب عملك الحالي بدّله. وإذا كنت لا ترتاح لما تحسّ به. فبدّل هذا الشعور. فإذا كنت تريد مستوى أعلى من الحيوية البدنية والصحة يمكن أن تغير وضعك هذا الآن. يمكنك في لحظة واحدة أن تمسك بزمام القوة نفسها التي شكلت التاريخ. عليك أن تدرك أن بإمكانك اتخاذ قرار جديد قد يغيّر حياتك على الفور، قرار حول عادة ستغيرها، أو مهارة تود إتقانها، أو قرار حول كيفية تعاملك مع الناس، أو حول اتصال تجريه مع شخص لم تكلمه منذ سنوات، وبما كان هنالك شخص عليك الاتصال به لتنتقل بمسار عملك إلى مستوى آخر، ربما كان يمكنك أن تتخذ قراراً في الحال بأن تستمتع وتستغل العواطف الأكثر إيجابياً التي تستحق أن تستمتع بها كل يوم. هل يمكن أن تختار المزيد من السعادة والمتعة أو المزيد من الثقة أو المزيد من صفاء الذهن؟ تتغير حياتك حالما تتخذ قراراً جديداً مناسباً تلتزم به. من كان يظن مثلاً أن تصميم وامتناع رجل هادئ شديد التواضع- محام- بحكم المهنة ويكره الحرب من ناحية المبدأ يمكن أن يصبح من القوة بحيث يطوّح بإمبراطورية هائلة الحجم؟ ولكن قرار المهاتما غاندي الذي لا يقهر بتحرير الهند من الحكم البريطاني كان برميل البارود الذي حرك سلسلة الأحداث التي غيّرت إلى الأبد موازين القوة في العالم. لم يدرك الناس كيف يمكن لغاندي أن يحقق أهدافه ولكنه لم يترك لنفسه مخرجاً غير أن يتصرف بما يمليه عليه ضميره ببساطة، لم يقبل أي إمكانية أخرى.
ولنتذكر امرأة شديدة الكبرياء اسمها روزا باركس والتي صعدت إلى إحدى الحافلات في منطقة مونتجمري بولاية ألاباما الأمريكية في أحد أيام عام 1955، ورفضت أن تنهض من مقعدها ليحتله أحد الأشخاص البيض كما كان القانون يحتم عليها حينذاك. تمردها المدني الهادئ هذا أشعل عاصفة هائلة من الجدل وأصبح رمزاً تحتذيه الأجيال التالية. فقد كان تصرفها هذا هو بداية حركة الحقوق المدنية في أمريكا، كان طليعة الزلزال الذي أيقظ الضمائر وما يزال الأمريكيون يصارعونه في مجتمعهم حتى هذا اليوم وهم يحاولون إعادة تحديد معاني المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة لجميع الأمريكيين بغض النظر عن أجناسهم أو عروقهم أو عقائدهم. هل كانت روزا باركس تفكر في المستقبل حين رفضت التخلي عن مقعدها في تلك الحافلة ذلك اليوم؟ هل كانت لديها خطة سامية حول كيفية تغيير تركيبة المجتمع؟ ربما ! غير أن الحقيقة في الغالب هي أن قرارها بأن تضع نفسها في مستوى أرقى أجبرها على القيام بما قامت به. يا للآثار البعيدة التي أحدثها قرار اتخذته امرأة بسيطة واحدة !.
حين تقرّر بصدق بأنك لن تدخن السجائر بعد فإن الأمر يكون قد انتهى، إذ إنك لن تفكر حتى في إمكانية التدخين. فإذا كنت أحد أولئك الناس الذين جربوا قوة القرار بهذه الطريقة فإنك تدرك معنى ذلك تماماً، إذ إننا بعد أن نتخذ قراراً صادقاً قاطعاً، بل وحتى قاسياً، فإن معظمنا يشعر بقدر هائل من الراحة. لقد قفزنا من فوق السور كلنا يعرف مدى لذة شعورنا حين يكون لدينا هدف واضح لا مجال للتساؤل بشأنه. مثل هذا الوضوح يمنحك القوة. وبهذا الوضوح تستطيع التوصل إلى النتائج التي تود أن تحققها فعلاً لحياتك. يتمثل التحدي بالنسبة لمعظمنا في أننا لم نتخذ قراراً منذ فترة طويلة بحيث إننا نسينا كيف يكون شعورنا حينذاك. لقد ترهلت عضلات اتخاذ القرار لدينا ! بل إن بعض الناس يجدون صعوبة في اتخاذ قرار حول ما سيتناولونه من طعام.
فكيف لك أن تقوي تلك العضلات؟ عليك أن تدربها. فالطريقة الصحيحة لاتخاذ قرارات أفضل هي اتخاذ المزيد من القرارات. وبعد ذلك احرص على التعلم من كل قرار تتخذه، بما فيها تلك التي بدا لك بأنها لم تنجح على المدى القصير: إذ إنها ستوفر لك نقاط تفريق قيمّة بحيث تحسّن من قدرتك على التقييم، وبالتالي في اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. عليك أن تدرك بأن عملية اتخاذ القرار هي، شأنها شأن كل مهارة أخرى تركّز كل جهودك على تحسينها، إنما تصبح أفضل فأفضل بتكرارها مرة بعد أخرى. وكلما اتخذت قرارات أكثر كلما ازداد إحساسك بأنها تسيطر سيطرة أفضل على حياتك. وستطلع بذلك إلى المزيد من التحديات، وستجد فيها فرصة لتفريق جديد وللانتقال بحياتك إلى مستوى أرفع. فالمعلومات قوة حين يتم وضعها موضع التنفيذ والتكرار هو أم المهارة، والقدرة على التفريق والتمييز تعطينا قوة تمكننا من اتخاذ قرارات أفضل، كما تمكننا بالتالي من التوصل إلى النتائج التي نرغب في تحقيقها لأنفسنا.
هناك ثلاثة قرارات تتخذها في كل لحظة من حياتك تتحكّم في مصيرك. وهذه القرارات الثلاثة هي التي تقرر ما ستلاحظه، وكيف تشعر، وماذا ستفعل، وفي المحصلة الأخيرة ما الذي ستساهم به في حياتك ومن ستصبح ! فإن لم تسيطر على هذه القرارات الثلاثة فإنك في الواقع لن تتحكم في حياتك. أما إذا سيطرت عليها فإنك ستبدأ في تشكيل طراز لتجربتك في الحياة والقرارات الثلاثة التي تسيطر على مصيرك هي:
1- قراراتك حول ما ستركز عليه.
2- قراراتك حول معنى الأشياء بالنسبة إليك.
3- قراراتك حول ما الذي ستفعله لتحقق النتائج التي تتوخاها.
إنّ ما يقرر من ستصبح ليس ما يحدث لك الآن أو ما حدث لك في الماضي بل إن قراراتك حول ما ستركّز عليه، وما تعنيه الأشياء بالنسبة لك، وما الذي ستفعله بشأنها هو ما يقرر مصيرك النهائي. عليك أن تدرك أنه إذا كان هناك من يستمتع بنجاح أكبر مما حققت في أي ميدان من الميادين فإنه إنما يتخذ هذه القرارات الثلاثة بطريقة مختلفة بمعنى ما، أو بوضعية ما.
من الجدير بالانتباه أن أعداداً كبيرة منا لا تتخذ غالبية قراراتها عن وعي، خاصة القرارات الحاسمة الثلاثة التي ذكرتها. ولذا فإننا ندفع ثمناً غالياً. فمعظم الناس يعيشون ما يمكننا تسميته بـ" متلازمة شلالات نياجرا " إنني أعتقد أن الحياة مثل النهر وأن معظم الناس يقفزون إلى وسط نهر الحياة دون أن يقرروا في الواقع إلى أين يتجهون. ولذا فإن التيار سرعان ما يمسك بتلابيبهم، تيار الأحداث، تيار المخاوف، وتيار التحديات وحين تصل بهم الأمور إلى مفترق طرق في ذلك النهر فإنهم لا يقررون بطريقة واعية في أي اتجاه يتجهون أو أين هو الاتجاه الصحيح بالنسبة لهم، بل يكتفون بالاندفاع مع التيار ويصبحون جزءاً من تلك الكتلة البشرية التي يوجهها محيطهم بدلاً من أنْ توجههم قيمهم ولذا فإنهم يشعرون بأنهم فقدوا السيطرة. ويظلون في تلك الحالة اللاواعية إلى أن يوقظهم صوت المياه الغاضبة في يوم من الأيام، وهم يكتشفون بأنهم أصبحوا على مسافة متر ونصف المتر فقط من شلالات نياجرا على متن قارب دون مجاديف. وحينذاك يتأهبون للعمل ولكن بعد فوات الأوان، إذ لابد لهم من أن يسقطوا، وهذه السقطة عاطفية أحياناً، أو بدنية أو مالية في أحيان أخرى. فأي تحديات تواجهها حالياً في حياتك كان يمكن لك في الغالب تجنبها باتخاذك قرارات أفضل في البداية.
ولكن كيف لك أن تحّول مجرى الأمور إذا أمسكَتْ القوة الكامنة في النهر الغاضب بتلابيبك؟ عليك إما أن تقرر استخدام مجدافين في الماء وتبدأ في التجديف بجنون في اتجاه جديد، وإما أن تقرر خطة مسبقة. حدّد المسار الذي تنوي السير فيه، وضع خطة أو خريطة يمكنك بموجبها اتخاذ قرارات نوعية طوال الطريق.
وعلى الرغم من أنك ربما لم تفكر في ذلك فإن دماغك يكون قد ركّب نظاماً داخلياً لاتخاذ القرارات. وهذا النظام يعمل وكأنه قوة غير مرئية توجه كل أفكارك وأفعالك ومشاعرك، الحسنة والسيئة، في كل لحظة تعيشها. وهو يتحكم في طريقة تقييمك لكل أمور حياتك، ويدفعها في مجملها عقلك الباطن. والمخيف أن معظم الناس لا يحاولون ضبط هذا النظام مسبقاً، بل يكون قد ركّب لهم عبر السنين من قبل مصادر متباينة مثل الأبوين والزملاء والمعلمين والتلفزيون والمعلنين، والثقافة على وجه الإجمال. ويتكون هذا النظام من خمسة أفراد:
(1) صُلب معتقداتك والقواعد غير الواعية لديك. (2) قيم الحياة. (3) مرجعيتك.(4) الأسئلة التي توجهها إلى نفسك عادة. (5) الحالات العاطفية التي تخضع لها في كل لحظة. العلاقة التعاونية بين هذه العناصر الخمسة تؤدي إلى بذل جهد يعتبر هو المسؤول عن دفعك أو إيقافك عن القيام بالعمل، ويسبّب لك القلق من المستقبل، ويشعرك بأنك محبوب أو مرفوض كما يقرر مستوى نجاحك وسعادتك. إنه هو من يقرّر لماذا تقدم على فعل ما تفعل ولماذا لا تفعل بعض الأشياء التي تعرف أن عليك أن تفعلها. بتغيير أيٍّ من هذه العناصر الخمسة وسواء أكان ذلك معتقداً جذرياً أم قاعدة أم قيمة أم مرجعية أم قضية أم حالة عاطفية- فإنك ستحدث على الفور تغييراً محسوساً في حياتك. والأهم من ذلك أنك ستحارب بذلك السبب بدلاً من النتائج. تذكّر أنك إذا كنت تبالغ في تناول الطعام فإن السبب الحقيقي في ذلك هو عادة مسألة قيم أو قناعات أكثر من كونها مسألة تتعلق بالطعام بالذات. والشيء السار هو أن بإمكاننا أن نتجاوز هذا النظام باتخاذ قرارات عن وعي في أي لحظة من لحظات حياتنا. إذ ليس علينا أن نسمح للطريقة التي برمجت ماضينا بأن تتحكم في حاضرنا ومستقبلنا.
هناك عائق يحول دون استخدام قدرتنا على اتخاذ القرار، وهو التغلب على مخاوفنا من اتخاذ القرار الخاطئ، لا شك بأننا سنتخذ قرارات خاطئة في حياتنا، سنرتكب أخطاء حتماً. لكن تذكّر بأن النجاح هو في الحقيقة نتيجة الحكم السليم، والحكم السليم هو نتيجة تجربة، والتجربة كثيراً ما تكون ناتجة عن حكم خاطئ ! فتلك التجارب التي تبدو ظاهرياً سيئة أو مؤلمة هي الأهم في بعض الأحيان. فالناس عادة يحتفلون حين ينجحون. أما حين يفشلون فإنهم يلجؤون إلى إعادة التفكير. ويبدؤون في اتخاذ قرارات جديدة من شأنها أن تعزّز نوعية حياتهم. علينا أن نلتزم بالتعلم من أخطائنا بدلاً من أن نلطم وجوهنا، وإلا فإننا سنرتكب نفس الأخطاء في المستقبل ولا شك.
إلى جانب التجربة الشخصية في الأهمية، من الممكن أن تفكر فيمن تقتدي به، بشخص ركب موجات الشلال من قبل ولديه خارطة جيدة يمكن لك أن تسير على هداها. يمكنك أن تجد قدوة لك في الأمور المالية وقدوة في العلاقات مع الآخرين وقدوة فيما يتعلق بصحتك وقدوة لمهنتك، أو قدوة لأي سمة من السمات التي تريد أن تتعلم كيف تتقنها في حياتك. إن من شأن هذا أن يوفر عليك سنوات من الألم ويحميك من الانحراف في تيار الشلال.
قد تصادف أن تجد نفسك وحيداً تخوض أمواج النهر، وعليك أن تتخذ قرارات هامة بمفردك. والخبر السار إن كنت راغباً في التعلم من تجاربك فإن ما تظنه صعباً في الكثير من الأحيان يصبح رائعاً لأنه يوفر لك معلومات قيمة- تمييزاً أساسياً- ستستخدمه في المستقبل لاتخاذ قرارات أفضل. والإنسان الناجح جداً الذي تصادقه سيقول لك- إذا كان صادقاً معك- إن السبب الذي مكّنه من تحقيق نجاح أكثر. مما يحقق غيره هو أنه اتخذ قرارات سيئة أكثر مما فعلت.
وهناك شيء أضمنه لك مهما كنت مستعداً وهو: إنك ما دمت تسبح في نهر الحياة، فإنك تصطدم ببعض الصخور. وهذا ليس أمراً سلبياً بل هو دقيق ومضبوط. مفتاح الأمور هو أنك حين تصطدم بعائق ما فإن عليك بدلاً من أن تلطم خديك لأنك " أخفقت " أن تتذكر أنه لا يوجد إخفاق في الحياة. هنالك نتائج فحسب. فإن لم تحقق النتائج التي تتوخاها فعليك أن تتعلم من هذه التجربة لكي تكون لك مرجعية تمكّنك من معرفة كيفية اتخاذ قرار أفضل في المستقبل.
تحكّم في القدرة على اتخاذ القرار
هناك ستة مفاتيح سريعة تمكّنك من التحكم في قدرتك على اتخاذ القرار، وهي القدرة التي تشكّل خبرتك وتجربتك في الحياة في كل لحظة من لحظات حياتك:
1- تذكّر القوة الحقيقية لاتخاذ القرارات:
إنها أداة يمكنك استخدامها في أية لحظة لكي تغيّر حياتك برمتها. وفي اللحظة التي تتخذ فيها قراراً جديداً فإنها تطلق في الواقع هدفاً وتأثيراً واتجاهاً جديداً لحياتك. فإنك بمعنى حرفي تغير حياتك في اللحظة التي تتخذ فيها قراراً جديداً. تذكّر حين تحس بأنك مشوش، أو حين تشعر بأنه لا يوجد أمامك خيار، أو حين تحدث لك أشياء معينة، بأن بإمكانك أن تغير الموقف كله إن توقفت وقررت ذلك. تذكر أن القرار الحقيقي يقاس بتحقيقه ما إن كنت قد قمت حقاً بفعل جديد، أما إن لم تقم بالفعل فإنك في الواقع لم تتخذ قراراً حقيقياً.
2- عليكَ أن تدرك بأن أصعب خطوة على طريق تحقيق أي شيء هو الالتزام الحقيقي الصادق- اتخاذ قرار صادق.
إن تنفيذ التزامك أسهل من اتخاذ القرار نفسه في الكثير من الأحيان. لذا عليكَ أن تتخذ القرارات بذكاء، ولكن بسرعة. لا تجهد نفسك إلى الأبد وأنت تفكّر في مسألة كيفية أو فيما أن كنت قادراً على الإقدام على هذا العمل. فقد دلت الإحصاءات أن أنجح الناس هم من يتخذون قراراتهم بسرعة نظراً لأنهم يمتلكون الوضوح فيما يتعلق بقيمهم وبما يريدون تحقيقه في حياتهم. كما تبيّن نفس الإحصاءات فإن هؤلاء الأشخاص أبطأ في تغيير قراراتهم، إن فعلوا. ومن ناحية أخرى فإن الأشخاص الذين يفشلون هم أولئك الذين يتخذون قراراتهم ببطء ويغيرون أفكارهم بسرعة.عليكَ أن تدرك بأن اتخاذ القرار هو نوع من التنفيذ في حد ذاته، لذا فإن التعريف الجيد للقرار قد يكون: " معلومات وضعت موضع التنفيذ " فأنت تعرف أنك اتخذت قراراً حقاً حين يتدفق الفعل منه، إذ يصبح القرار هدفاً وُضع على مسار التنفيذ. وتأثير اتخاذ القرار كثيراً ما يساعد على خلق فرصة التوصل إلى هدف أكبر. وهنالك قاعدة حاسمة اتخذتها لنفسي وهي ألاّ أترك مسرح قرار ما دون أن أتخذ خطوات فعلية لتحقيقه ووضعه موضع التنفيذ.
3- اتخذ قرارات عديدة:
كلما أكثرت من اتخاذ القرارات تحسنت قدرتك على اتخاذها. فالعضلات تزداد قوة بالاستعمال، وهذا ينطبق على عضلات اتخاذك القرار: أطلق ما لديك من قدرة منذ هذه اللحظة باتخاذ قرارات كنت ترجئ اتخاذها منذ وقت طويل، ولن تصدق مدى الطاقة والإثارة التي ستخلفها هذه الخطوة في حياتك.
4- تعلّم من قراراتك:
أجل، لا يمكنك أن تتجنب الفشل، إذ إنك ستواجهه في بعض الأحيان، مهما فعلت. وإذا حدث فلا تلطم على خديك فزعاً بل تعلّم شيئاً جديداً اسأل نفسك: " ما هو الأمر الحسن في ذلك، ماذا يمكنني أن أتعلم من ذلك؟ " فقد يكون هذا الفشل هبة لا تصدق ولكنها تبقى خفية إلى أن تستخدمها لاتخاذ قرارات أفضل في المستقبل. وبدلاً من التركيز على الانتكاسات قصيرة الأجل احرص أن تتعلّم دروساً يمكنها أن توفر لك الكثير من الوقت أو المال أو الألم، كما يمكنها أن تعطيك القدرة على النجاح في المستقبل.
5- التزم بقراراتك ولكن احرص على المرونة في اتجاهك:
ما إن تقرّر ما تنوي أن تقوله كشخص مثلاً، فلا تتوقف بعناد بالنسبة لوسائل تحقيق هذه الغاية. فما تهدف إليه هو تحقيق غايتك النهائية. وقد يختار الناس في كثير من الأحيان أفضل السبل التي يعرفونها حين يقررون ماذا يفعلون بشأن مستقبل حياتهم- إذ يرسمون خطة وخريطة للوصول إلى غايتهم- غير أنهم يفشلون في الانفتاح على سبل أخرى قد تكون أفضل منهم. لا تكن متصلباً في الاتجاه الذي تنتهجه، بل استثمر فن المرونة.
6- تمتع باتخاذ القرارات:
لابد لك من أن تعرف بأن اتخاذك قراراً في أية لحظة قد يغيّر مسار حياتك إلى الأبد: الشخص الذي يقف خلفك في الصف، أو ذلك الذي يجلس إلى جانبك في الطائرة، أو المخابرة الهاتفية التي تتلقاها أو تقوم بها، أو الفيلم التالي الذي تراه، أو الكتاب التالي الذي تقرؤه، أو الصفحة التي تقلّبها، قد يكون أي من هذه الأمور هو الشيء الذي يفتح الأبواب أمامك، وبالتالي ستنتظم كل الأمور التي كنت بانتظارها في المكان المناسب لها.
إذاً، ما هو الشيء المميّز الأهم الذي يمكن استخلاصه من هذا المقال؟
عليكَ أن تدرك بأن قراراتك، وليست ظروفك، هي التي تقرّر مصيرك. وقبل أن تتعلّم تقنيات تغيير طريقة تفكيرك ومنحى شعورك في كل لحظة من لحظات حياتك، تذكّر أنها كلها ستظل عديمة القيمة، إلا إذا قررت استخدامها. تذكّر أن قراراً تلتزم به بحق هو القوة التي تبدّل حياتك. إنها قوة متوفرة لك في كل لحظة بمجرد أن تقرّر استخدامها. برهن لنفسك أنك قررت الآن. اتخذ قراراً أو اثنين كنت تحاول إرجاءهما: قراراً سهلاً، وآخر أكثر صعوبة. أثبت لنفسك ما تستطيع تحقيقه. افعل ذلك الآن، قف ! اتخذ قراراً واضحاً واحداً على الأقل كنت تُرجئه حتى الآن- واتخذ أيّ إجراء نحو تنفيذه- وتمسّك به! وبِعمل ذلك فإنك ستبني تلك العضلة التي ستمنحك الإرادة لتغيير مجمل حياتك.
المصدر : مجلة الباحثون العدد 42 كانون الأول 2010