(إن حياتك الخارجية هي انعكاس لما بداخلك، فهناك تطابق مباشر بين الطريقة التي تفكر وتشعر بها داخليًا وبين طريقة تصرفك وتجاربك خارجيًا)
بريان تراسي
ما هي الأفكار التي تجذبك إلى الوراء؟
الإجابة على هذا السؤال، تحتاج منك إلى بعض الهدوء والتفكير العميق، فهناك الكثير من الأفكار التي قد تمنعك من المبادرة بأخذ زمام نفسك بيدك، وتبعث في نفسك اليأس، وتضعف من حماسك للسير قدمًا نحو تحقيق أهدافك، فقد تضيع فرص كثيرة في الحياة؛
بسبب بعض الأفكار السلبية، أما الآن فقد آن الأوان للتغيير، ولكن كيف يمكن أن نغير هذه الأفكار إن لم نكن نعرفها أصلًا؟إن قاموس النجاح لا يحتوي على كلمتي "إذا" و"لكن"؛ لأن كلمة "إذا" تعني الركون إلى التسويف والكسل، وأن تنتظر الفرصة حتى تأتي إليك لتطرق بابك بدلًا من أن تبحث أنت عنها، أما كلمة "لكن" فتعني أن تخلق من كل فرصة مشكلة وصعوبة، لا أن ترى في كل مشكلة فرصة للتعلم والمحاولة.
كم مرة قلت لنفسك: "لا أستطيع"، "ليس الآن"، "لقد فات الوقت"، "مستحيل"، وما شابهها من الأفكار التي جعلتك تتوقف، أو تتخاذل حتى فاتتك الفرصة، وربما العديد من الفرص؟
مثل هذه الأفكار ينبغي أن لا تبقى في ذهنك، بل يجب أن تتخلص منها بسرعة؛ لأنها تتكاثر كالفيروسات، حتى تستولى على كل عقلك وتفكيرك فتعطله.
هل لا زالت الصورة غير واضحة؟ دعنا إذًا نأخذ بعض الأمثلة:
الإحساس بتقدم السن:
كثير من الناس، من مختلف الأعمار والأجناس والمستويات الاجتماعية، ولا أكون مبالغًا إذا قلت أن عامل العمر أو السن كان من أكثر الأشياء التي يتحججون بها (على سبيل الحقيقة أو من باب الدعابة أحيانًا أخرى)، للتملص من المسؤولية، أو تأجيل العمل على تغيير حالهم للأفضل، كثير منهم يقول: "لم يعد سني مناسب لعمل كذا" أو "لقد كبرت ولم أعد أصلح لكذا ...".
لا شيء يحبط الإنسان ويقتل طموحه وأحلامه، مثل أن يلقي المسؤولية على جانب من جوانب حياته لا قِبَلَ له به، مثل مسألة العمر؛ لأنه ببساطة يحيل نفسه إلى التقاعد، ويأخذ دور المتفرج السلبي، الذي يسير نحو اليأس وفقدان البهجة في الحياة، والشعور بالاكتئاب.
لكن، هل يمكن التوقف عن تدمير الذات بهذا الشكل؟
الجواب، نعم، بالعمل، وليس بالقول فقط، إذا وجدت نفسك تستخدم هذه الحيلة القاتلة (حيلة العمر)، اسأل نفسك مباشرة "ولم لا؟" وبدلًا من الاستسلام لهذه الحيلة المحبطة، ابدأ مباشرة في التفكير في كيفية عمل ما تريد عمله لوضعه موضع التنفيذ، حتى في هذه السن، أنت لست مُطالبًا بالنتائج، فالتوفيق بيد الله وحده، ولكنك مطالب بحسن العمل فقط؛ لكي يتحقق فيك قوله تعالى: (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا) [الكهف: 30].
لا أستطيع:
بل تستطيع، إن الشيء الذي استطاع أمثالك أن يفعلوه، تستطيع أنت أيضًا أن تفعله، كل الأيام لكل الناس تحتوي على 24 ساعة، إذًا ما الذي ينقصك؟
كل الذي ينقصك هو أن تقول لنفسك: "نعم أستطيع"، ليس من قبيل إيهام نفسك وخداعها، ولكن من قبيل أن ترى الحقيقة كما هي، وأنك فعلًا تملك القدرات اللازمة، كل ما هنالك أنك اخترت فيما مضى أن لا تُفَعِّلَ هذه القدرات، وأتمنى أن تكون الآن قد قررت أن تفعل شيئًا مختلفًا.
الإرادة كالسيف:
يقول عباس العقاد رحمه الله: (الإرادة كالسيف يصدئه الإهمال، ويشحذه الضرب والنزال)، فمن لا يستخدم إرادته ويركَنُ إلى الخمول والكسل، يفقد قوته وقدرته على الحركة.
فأنت تستطيع أن تصنف نفسك في خانة الناجحين أو الفاشلين بإرادتك، فالفرق بين الناجح والفاشل ليس فرقًا في المعرفة أو القدرة، بل في الإرادة، من مَلَكَ الإرادة ملك القدرة، ومن فقدها قال "لا أستطيع".
تعهَّد حديقتك بالعناية:
العقل كالحديقة التي لا يكفي أن تزرع فيها الأزهار والنباتات الجميلة؛ لأنها ستموت إذا لم تقم بعملية أخرى مهمة وهي إزالة الحشائش والنباتات الضارة، فعندما تتخلص من كل الأفكار السلبية التي تعوق تقدمك نحو أهدافك، فإنك تستطيع أن تتبنى أفكارًا إيجابية تحقق لك ما تريد.
وحينها فقط ستذوق طعم النجاح، وسيكون جزءًا من هويتك الشخصية، ولن تستطيع التخلي عنه؛ والسبب هو أن الذي يملك الإيمان بنفسه ويعتقد أنه ناجح، لا يستسلم مهما واجه من عقبات، بل يستمر في المحاولة والسير حتى يحقق النجاح، في المقابل نرى أن الذي لا يرى في نفسه إلا الفشل يستسلم بسرعة عند أول عقبة، وينهار قبل الوصول إلى الهدف، وقد تكون العقبة الأولى هي أفكارك السلبية.
هل هناك أفكار أخرى تجعلك تتردد وتحجم عن أخذ زمام المبادرة، بالتغيير الفعال في حياتك؟
ربما، إذًا جرّب أن تتعرف على هذه الأفكار، وتناقشها بكل عقلانية، وتستبدلها بأفكار إيجابية مفيدة.
كيف تفعل ذلك؟
إليك بعض الوسائل:
· لا تبخل على نفسك فالأحلام بالمجان:
لا تتهيب أن تحلم بكل ما هو عظيم؛ لأنك لن تكون قادرًا على تقبُّل الإخفاقات المرحلية ومواجهتها، ما لم يكن بصرك ثابتًا لا يحيد عن طموحك الكبير الذي يلوح أمامك في الأفق، وتذكر قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لوزيره رجاء بن حيوة: "إن لي نفسًا تَوَّاقَة، تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوَلِيَتها (وكان واليًا على المدينة)، وتاقت إلى الخلافة فوليتها، والآن تتوق إلى الجنة".
أحلامك ـ عزيزي القاريء ـ هي التي ستشغل فيك الحماس للعمل؛ لذلك اجعلها كبيرة؛ لكي تستحث خطاك وتقفز بك إلى أول عربة في قطار النجاح، انظر إلى عمر بن عبد العزيز، فهو يتوق إلى الجنة، فهل هناك أعظم من الجنة؟
· انظر إلى مستقبلك وكأنه حقيقة أمامك:
اغمض عينيك دقائق معدودة، وتخيل نفسك وأنت تمارس فعلًا نفس العمل الذي تتمنى أن تمارسه في المستقبل.
تخيل نفسك وأنت تسكن في الحي الذي تتمنى، وفي المنزل الذي تتمنى، وفي مجلسك الذي تخيلته، وبنفس الأثاث الذي رسمته في مخيلتك، تخيل نفسك وأنت تدير مؤسستك الصغيرة التي تمنيتها، وأنت تبتدر صباحك بإبتسامة عريضة، تتحدث للموظفين وتستقبل العملاء، تخيل نفسك وأنت تمشي برشاقة وحيوية الشباب.
· انظر إلى ماضيك:
قبل أن تبدأ حاضرك، لابد أن تتخلى عن كل آلام الماضي وذكرياته المحبطة، الفشل مرة لا يعني أنك ستفشل إلى الأبد، ولو نظرت إلى الوراء لوجدت الكثير من إخفاقاتك لم تكرر.
عندما تنظر إلى الماضي، اجعل منه درسًا تتعلم منه مواطن الخطأ حتى لا تكررها، ولكن لا تقف كثيرًا للرثاء والبكاء على الأطلال، ومع أهمية تذكر أخطاء الماضي، والاستفادة من تجاربه، فإنه لابد أن تستحضر نجاحاتك؛ لكي تدرك أنك تملك القدرة على النجاح مرات أخرى.
· استراتيجية الأوتوجينيك:
من أول البلاد التي استخدمت استراتيجية الأوتوجينيك في الإدارة، وخاصة في اتخاذ القرارات اليابان؛ حيث كانت تطلب من الفريق الإداري، الذي كان يتكون من أربعة أشخاص أن يستخدموا الاستراتيجية، فكانت النتائج رائعة.
منذ مولدها اكتسبت استراتيجية الأوتوجينيك شهرة عالية في الأوساط الرياضية، فأصبح لاعبو التنس والسلة وكرة القدم يستخدمونها بانتظام، ثم انتشرت في الأوساط الإدارية، خاصة في آسيا وبعض البلاد الأوروبية، والآن أصبحت الاستراتيجية شيئًا أساسيًا في العلاج بالتنويم بالإيحاء (المغناطيسي)، والعلاج بالطاقة البشرية بأنواعها المتعددة، وأصبح علماء النفس يستعملوها، كأسلوب من أساليب العلاج، وإليك استراتيجية الأوتوجينيك كالآتي:
1. التحضير:
1) كن في مكان هاديء بعيدًا عن الضوضاء لمدة عشر دقائق على الأقل.
2) ارتدِ ملابس مريحة واخلع النظارة، واغلق التليفون النقال.
3) اجلس وظهرك معتدلًا.
4) احضر كوبًا من الماء مملوءًا إلى النصف.
2. الطريقة:
1) فكر في تحد معين موجود في حياتك الآن.
2) اكتب الأسباب التي أوجدت هذا التحدي في حياتك.
3) اكتب ما يسببه لك هذا التحدي من متاعب (النتائج).
4) اكتب الهدف الذي تريده من هذا التحدي، وكيف تريد أن تحله.
5) اكتب الشخصية التي تريد أن تستخدمها أمام هذا التحدي، على سبيل المثال: شخصية واثقة من نفسها، أو اكتب العلاج الذي تريد أن تراه يحدث في حياتك، مثال: التخلص من التوتر أو القلق أو غير ذلك، أو اكتب الشيء الذي تريد أن تحسنه في حياتك، مثال: الذاكرة، أو التركيز، أو التحدث أمام الجمهور.
6) اشرب كمية بسيطة من الماء، ثم تنفس من الأنف بعمق وببطء حتى تملأ الرئتين، ثم أزفر من الفم ببطء؛ بحيث يكون الزفير أطول من الشهيق، بمعنى استخدم ما أسميه أسلوب التنفس بطريقة (4 2 8)، أي الشهيق من الأنف في أربعة أرقام، ثم احتفظ بالأكسجين في رقمين، ثم أزفر في ثمانية أرقام، كلما كان الزفير أطول من الشهيق، ازددت استرخاء، ووصلت إلى الراحة التامة.
7) أغمض عينيك، وتخيل نفسك في التحدي الذي تواجهه، وانظر إلى نفسك وأنت واثق من نفسك، ضع التعبيرات ووضع الجسم والتنفس والأفكار والأسلوب الذي تريده.
8) اجعل أحاسيسك مرتبطة بصورتك، فكلما كانت الأحاسيس متصلة بالصورة، أصبحت أقوى في العقل الباطن، حتى تصبح اعتقادًا.
9) افتح عينيك، ثم كرر التدريب مرة أخرى، أي اشرب بعض الماء وتنفس بنفس الطريقة، ثم أغمض العينين وتخيل نفسك في التحدي، ولكن هذه المرة كن أفضل من المرة السابقة، مع ربط أحاسيسك.
10) افتح العينين، ثم كرر التدريب للمرة الثالثة، وأضف كل ما تريد أن تضيفه على أسلوبك، مع ربط أحاسيسك به.
من المهم أن تعرف جيدًا، أن العقل اللاواعي لا يعي الأشياء، أي أنه ينفذ الأوامر كما تقولها له، وعندما تكرر التدريب أكثر من مرة، وفي كل مرة تحدث تعديلات لكي تكون أفضل، كلما أخذها العقل اللاواعي على أنها حقيقة، وبذلك يفتح كل الملفات العقلية، التي تدعمه لكي يساعدك على تحقيق هدفك.
وأخيرًا:
تذكر قول مايك ديتكا: (لست أعتقد أن أي شيء يمكن أن يكون غير واقعي، إذا كنت تؤمن أنه يمكنك تحقيقه)
أهم المراجع:
1. صناعة النجاح، عبد الله بن سلطان السبيعي.
2. القوانين العامة للنجاح، بريان تراسي.
3. قوة التفكير، إبراهيم الفقي.
4. أفضل ما في النجاح، كاترين كاريفلاس.