الممارسات الخمس للقائد المؤثر

 فريد مناع
                                                                      
(إن المهارات التي تتطلبها القيادة ليست سرًا، فكل ما هنالك أن بعض المديرين تعلموا كيف يستخدمونها، بينما لم يتعلم الآخرون ذلك، وبينما يبدو أن بعض الناس قد ولدوا ليصبحوا قادة، فإن الجميع يُمكنهم أن يتعلموا مهارات القيادة، وكيف يمكن تطبيقها بشكل عملي).[الإدارة للمبتدئين، بوب نيلسون، وبيتر إكونومي، ص84]...

بهذه الكلمات الواضحة يفتح صاحبا كتاب: الإدارة للمبتدئين الأمل أمام كل مدير ليصبح قائدًا حقيقيًا، فإن الإدارة وحدها لا تكفي لإحراز النجاح المؤسسي الكبير، أو الوصول بمؤسستك إلى مكان مرموق وسط هذه المنافسة الشرسة التي يشهدها عالم المؤسسات في الوقت الراهن.
فقد تنجح الإدارة في ضبط سير العمل، وتحقيق أهداف عادية، لكن خوض التحديات الصعبة التي تنقل المؤسسات نقلات حقيقية تحتاج إلى قيادة فعالة ومؤثرة، قادرة على خوض التحديات، واستشراف الرؤى المستقبلية، وبناء فرق عمل قوية، وحفزها نحو أهداف المؤسسة.
إن الحديث عن أهمية القيادة اليوم قد أصبح من قبيل تحصيل الحاصل، فكل مديرٍ واعٍ يدرك خطورة القيادة، وأثرُها الواضح في تقدم الشركات والمؤسسات، لكن المشكلة الحقيقية هي الإجابة عن السؤال الخطير: كيف أتحول إلى قائدٍ مؤثرٍ فعالٍ؟
والباحث عن إجابة لهذا السؤال يُفاجئ بآلاف الكتب التي تتحدث عن القيادة، محاولة أن تقدم العون لكل من يريد أن يصبح قائدًا محنكًا، لكن معظم هذه الكتب إنما تتحدث عن جوانب في فن القيادة، قد تكون إيجابية ومفيدة، لكنها على الأغلب لا تقدم النموذج العملي المتكامل للقائد المؤثر، الذي يَسهُل على كل مدير أن يُحوله إلى واقعٍ عمليٍ في حياته ومؤسسته.
البحث عن نموذج:
وللإجابة على هذا السؤال وأمثاله في سائر فنون التميز البشري، فإن علم البرمجة اللغوية العصبية قد ابتكر لنا ما يسمى بعملية النمذجة أو Modeling، والتي تعني باختصار: (هي عملية اكتشاف سلوك الشخص الخبير في مجال معين والسير على منهاجه للوصول إلى نفس الأهداف، أي هو اكتشاف ومطابقة الامتياز البشري).[مذكرات موقع البرمجة اللغوية العصبية]
       فإذا استخدمنا هذه التنقية الفعالة، واستطعنا إجراء تحليل لممارسات القادة الفعالين المؤثرين، ووضعناها وفق نموذج متكامل، فإننا نصل إلى بداية الإجابة العملية الصحيحة على السؤال السابق: كيف أصبح قائدًا مؤثرًا؟
نموذج 5×10:
       وهذا المنهج هو ما استخدمه الباحثان جيمس  إم. كوزس، وباري زد بوسنر، لوضع نموذج عملي فعال للقائد المؤثر، من خلال دراسات ميدانية استغرقت قرابة العشرين عامًا أجريا خلالها مقابلات مع آلاف القادة المؤثرين، لدراسة الممارسات المشتركة التي تجمع بينهم، للخروج بنموذج القائد المؤثر.
       ولقد توصل الباحثان من خلال هذا البحث الطويل الجاد إلى أن هناك خمس ممارسات أساسية يُمارسها كل القادة المؤثرون، من خلال عشر التزامات عملية، تُشكل في مجموعها ملامح نموذج القائد المؤثر، وهو ما سنطلق عليه مجازًا نموذج 5×10، والذي يعني الممارسات الخمس، من خلال عشر التزامات، بواقع التزامين لكل ممارسة.
نموذج 5×2 للقائد المؤثر.
الممارسات الخمسة
الالتزامات العشرة
وضع نموذج للأداء
1- أظهر صوتك من خلال التعبير عن قيمك ومبادئك.
2- كن قدوة عن طريق ربط الأفعال بالقيم المشتركة
الحث على الرؤية المشتركة
3- ضع رؤية للمستقبل بتخيل الإمكانات والمحفزات العظيمة.
4- اصنع رؤية مشتركة مع الآخرين، بصياغة الطموحات المشتركة.
التحدي
5- اقتنص الفرص، عن طريق إيجاد طرق مبتكرة للتغير والنمو والتحسن.
6- خض التجربة والمخاطرة من خلال التوليد الدائم للمكاسب الصغيرة، والتعلم من الأخطاء
تمكين الآخرين من التصرف
7- أوجد روحًا من التعاون، وذلك بإثارة أهداف جماعية، وبناء الثقة.
8- حفز الآخرين بمشاركتهم في السلطة، وإعطائهم حرية التصرف.
التشجيع المعنوي
9- تعرف على الإسهامات، ووضح التقدير والتقييم للأفراد.
10-      احتفل بالقيم والانتصارات، وذلك عن طريق صنع روح الاتحاد.
وتعال بنا الآن أيها القارئ الكريم، لنُلقي الضوء على تفاصيل هذا النموذج بصورة عامة، قبل أن نعيش مع تفاصيله من خلال المقالات القادمة بإذن الله.
أولًا ـ وضع نموذج للأداء:
وهي تعني بكل بساطة أن القيادة التزام وقدوة، قبل أن تكون أقوال وآراء، فإن أي مدير يرسم صورة في ذهنه عن الموظف المثالي الذي يريد أن يكون عليه كل العاملين في مؤسسته، ويطالبهم به، لكن هذا لا يكفي لكي يقوم العاملون بتحقيق ذلك النموذج، فهم بطبيعتهم يتبعون القائد أولًا، ثم خطته وتعليماته ورؤاه ثانيًا، ومن ثم (فإن القادة النموذجيين يعرفون أن الحصول على التزام الآخرين، وحثهم على تحقيق أسمى الأهداف، يتطلب منهم أن يعكسوا النماذج السلوكية التي يتوقعونها من الآخرين)[ القيادة تحد، كوزس – بوسنر، ص (33)].
وقديمًا قال القائل: ( إذا أردت أن تكون إمامي فكن أمامي).
يقول د.ويليام كوهين: (هناك طريقة حقيقية واحدة للقيادة، ألا وهي أن تكون في المقدمة، فلا بد أن تقوم بالسحب لا بالدفع، ذكر باتون أن القيادة مثل المكرونة الإسباجيتي، التي يمكنك سحبها بسهولة، ولكن لا توجد طريقة لإمكانية دفعها) [فن القيادة، ويليام أ. كوهين، ص59].
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا هذه الممارسة القيادية الرفيعة، ففي غزوة الخندق نجده صلى الله عليه وسلم يشارك صحابته في العمل الشاق، وتحمل كل هذه الظروف الصعبة، فلم يقبع في برج عاجي، ويطلب منهم البذل والتضحية، بل جسد لهم النموذج العملي المثالي الذي ينبغي أن يكون عليه العامل لله في تلك الظروف.
يقول أبو طلحة رضي الله عنه: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين) [رواه الترمذي].
ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه: ( رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه) [صحيح البخاري].
ولكي يتمكن القائد من تجسيد نموذج الأداء الفعال، فإن ذلك يتم من خلال الالتزامين: 1، 2.
1- التعبير لموظفيه عن قيمه ومبادئه التي يؤمن بها حقًا.
2- أن يجسد أمامهم تلك القيم والمبادئ من خلال القدوة العملية.
ثانيًا: الحث على الرؤية المشتركة:
إن أي مؤسسة أو حركة اجتماعية تبدأ بمجرد حلم جميل، وهذا الحلم هو الذي يمثل القوة التي تدفع أفراد المؤسسة إلى صنع المستقبل، ومواجهة التحديات.
وأصدق وصف يمكن أن نصف به القائد الناجح أنه صانع المستقبل، وبائع الأمل، فإن القائد المؤثر يضع رؤية واضحة للمؤسسة، ويتخيل الفرص الرائعة الذي سيكون عليه مستقبل مؤسسته، ومن ثم فإن ذلك يدفع بالحماس المشتعل إلى عروقه، وينتقل ذلك الحماس إلى أتباعه، فيدفعهم إلى العمل المتواصل من أجل تحقيق هذه الرؤية.
فالقائد هنا يلعب دور المهندس المعماري الذي يقوم بعمل تصميم للبناية في نموذج مصغر قبل أن يتحقق فعليًّا على أرض الواقع.
لكن وضع القائد للرؤية المستقبلية لن يكون ذا قيمة كبيرة، ما لم يُوجِد لها أتباع متحمسون، يتبعون القائد في سيره بالمؤسسة نحو تلك الرؤية، ولذلك فإن القائد المؤثر يجري عملية توحيد بين أهداف مؤسسته، وبين أهداف وتطلعات المرؤوسين.
(فالقادة هم من يعيشون من أجل بلوغ أحلام الآخرين وآمالهم، ويعملون دائمًا على تمكينهم من رؤية الإمكانات الشيقة التي يحملها لهم المستقبل، إن القادة هم من يقومون بعمل وحدة الهدف أو الغرض، حيث يوضحون للأفراد حقيقة الحلم الذي يأملون فيه، وكيف يكون نافعًا للصالح العام، وهم من يشعلون لهب الرغبة في الآخرين، وذلك بإثارة دافع الحماس لديهم، لاكتمال رؤيتهم وتحقيقها) [القيادة تحد، ص35].
فالقائد الفعال هو الذي (يصوغ الرؤى المستقبلية آخذًا بعين الاعتبار المصالح المشروعة بعيدة المدى لجميع الأطراف المعنية ... ويعبئ الحوافز التي تحرك النواة الرئيسة للعمل من حوله) [181 بطاقة للتميز الإداري، علي حسين العجمي، ص171].
يقول د.وليام:
(ولكي يتمكن القائد الفعال من ذلك فإنه يلجأ إلى الالتزامين: 3، 4:
3- وضع رؤية للمستقبل، من خلال تخيل الإمكانات المحفزة.
4- إشراك المرؤوسين في صياغة الرؤية، والتوحيد بينها وبين طموحاتهم وآمالهم الشخصية).

أهم المراجع:
1.   القيادة تحد، كوزس – بوسنر.
2.   الإدارة للمبتدئين، بوب نيلسون، بيتر إكونومي.
3.   فن القيادة، د.ويليام أ.كوهين.
4. 181 بطاقة للتميز الإداري، علي حسين العجمي.
5. الرحيق المختوم، صفي الرحمن المباركفوري.