مصطفى كُريِّم
(إذا غيرت تفكيرك؛ تغيرت حياتك)
بريان تراسي
إذا تعلَّمْتَ أن تُروِّض تفكيرك؛ لكي يكون أكثر إيجابية، وتنقية من الأفكار السلبية قدر المستطاع، فإنك قد بدأت في أولى خطوات تغيير السلوك الذي ينبغي أن يتغير، فيقول بريان تراسي: (إنك تستطيع أن تكتسب عادات سلوكية جيدة خلال 21 يومًا، إذا فكرت وتحدثت وتصرفت كما تُمليه عليك العادة الجديدة، التي ترغب في اكتسابها)، هذا التصور يتحول تدريجيًا إلى حقيقة واقعية...
وقد قال ابن القيم رحمه الله في كتابه "الفوائد": (إن مبدأ كل علم نظري وعمل اختياري، هو الخواطر والأفكار؛ فإنها توجب التصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تقتضي وقوع الفعل، وكثرة تكرار الفعل تعطي العادة).
وقال علماء النفس من بعده: (إن الأفكار البسيطة تتحول تدريجيًا إلى معتقدات ومواقف، ثم إلى سلوك يتكرر، ليصبح عادات ترسم ملامح الشخصية).
لكي تفعل شيئًا مفيدًا، ولكنه شيء مختلف هذه المرة، إليك بعض الوسائل التي يمكن أن تعينك ـ إن شاء الله ـ، على تبنّي مواقف وسلوكيات إيجابية:
هييء نفسك لمشروع حياتك:
(الأشخاص الأكثر شجاعة، هم بالتأكيد هؤلاء الذين يتمتعون بالرؤية الأكثر وضوحًا لما سيواجهون في المستقبل، سواء كان المجد أو الخطر، ومع ذلك يواجهونه)
ثيوكيديدس
ضع مشروع حياتك نصب عينيك، وتعلم كيف تصل إليه، اقرأ عنه، تحدث عنه، التحق بالدورات المتعلقة به، استمع للأشرطة والبرامج التي تتحدث عنه، عش كل شيء في هذا المشروع.
إذا كان مشروعك (حلمك)، أن تكون صاحب مؤسسة عقارية، فاجلس مع أصحاب التخصص، واشتر الكتب المتعلقة بتجارة العقار، واحضر المحاضرات والندوات، التي تقيمها الغرفة التجارية عن نشاط العقار، وتابع أخبار العقار.
إذا كان مشروعك أو حلمك، أن تحصل على شهادة في علم من العلوم، فاقرأ في هذا العلم، وجالس علماءه، واسأل عن كيفية الالتحاق بمؤسساته التعليمية ... إلخ.
كن منظمًا:
(إن جوهر سلوك الشخصية المنتجة هو الدقة، المهام ذات الأهمية لا تعهد لأشخاص فوضويين)
بريان تراسي
فالحياة المنظمة ضرورة للتفكير الخلاق، والإبداع لا ينمو في جو من الفوضى، وإذا كانت الحكمة تقول العقل السليم في الجسم السليم، فإن العقل المنظمة في الحياة المنظمة.
فلتكن سيارتك منظمة، وبيتك منظمًا، ومكتبك منظمًا، وملفاتك في جهاز الحاسب منظمة، جرِّب النظام في كل حياتك، وسترى أن كل شيء أصبح واضحًا في ذهنك؛ مما يجعل الطاقة والحيوية تتدفق في عروقك.
فالنظام يساعدك على وضوح الرؤية، ويَمَكِّنُكَ من الاستفادة من المحفزات الأخرى المتناثرة في هذه السلسلة؛ لأنه سيجعلك تعثر على الورقة التي تريد بسهولة، وتصل إلى الفكرة التي تريد بسرعة، وترسم الصورة التي تريد بوضوح.
ابحث عن القدوة:
مهما كان مشروع حياتك، أو حلمك فمن المؤكد أنك لست وحدك في هذا الطريق، إذ لابد أن هناك من سبقك إلى تحقيق مشروع يشبه هذا المشروع، من خلال قراءتك واهتمامك وبحثك، ستتعرف على رواد هذا المشروع.
اختر واحدًا منهم واجعل منه مثلًا أعلى، واستفد من تجربته، وانطلق من حيث انتهى لا من حيث بدأ.
ولكن لماذا تقتصر على قدوة واحدة؟ لم لا تكتب على ورقة ثلاثة أسماء تعتبرهم مثلًا أعلى لك، اكتب ما تراه مميزًا في كل منهم، فقد يكون هذا التميز هو ما تريد أن تصل إليه، وقد تساعدك النقاط التي كتبتها والتجارب التي لفتت انتباهك، في صياغة أهدافك.
ابدأ يومك بالشكل الصحيح:
استيقظ من نومك بابتسامة وانهض بنشاط، الحياة قصيرة، وهناك الكثير مما يمكن أن تحققه اليوم، وما الحياة إلا اليوم تلوَ اليوم، اليوم الذي يمر بك دون أن تحقق فيه شيئًا يذكر، يعتبر خسارة فادحة؛ فالعمر محدود، والحياة قصيرة لا مجال فيها للواقفين.
انظر إلى قول الله عز وجل: (لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر) [المدثر: 37]، واختر لنفسك إما أن تتقدم أو تتأخر، واعلم أن الوقوف هنا يعني التأخر، ما دام كل الكون من حولك يتقدم، وأنت واقف في مكانك.
انظر كذلك إلى قوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا وهو العزيز الغفور) [الملك: 2]، وقوله تعالى: (إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا) [الكهف: 7].
أرأيت؟ إنه لا خيار سوى العمل، فإما محسن، وإما مسيء.
اكسر العادة:
قد يكون من الصعب على الإنسان، أن يكسر طوق عاداته السيئة التي تُضيِّعُ وقته، ولا تخدم أهدافه بشيء، ولكن ذلك ليس مستحيلًا ما دام يريد أن يفعل ذلك، فإذا أردت أي شيء فستستطيع إن شاء الله.
كل ما عليك هو أن تطبق قانون الإزاحة، وهو أن تقوم بعمل شيء جديد مفيد، يكون هو بداية المشوار؛ للتخلص من العادات السيئة.
كل عادة جيدة تكتسبها ستزيح عادة سيئة ... وهكذا، حتى تتحرر من روتينك اليومي، انظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).
هل أرضك خصبة؟
نقصد بالأرض هنا البيئة التي تحيط بك، هل هي بيئة صالحة تعينك على ما أنت بصدده من تغيير فعال؟ أم أن من حولك هم مجموعة من الفاشلين الذين يعيشون على هامش الحياة، لا هم لهم إلا النقد، والنظر للجزء الفارغ من الكأس، واتهام الحظ والدنيا والناس بالتآمر ضدهم؟
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، فمهما حاولت أن تبقى محايدًا فلن تستطيع؛ لأن الصاحب سيؤثر فيك، فهِمَّتُك من همَّته، وإرادتك من إرادته ومطلبك من مطلبه.
فهل أصحابك أو زملائك متشائمون؟ هل يؤثرون فيك؟ هل هم سلبيون؟
احم نفسك من هذا التأثير، واتخذ الإجراء اللازم للأفضل، فالبيئة السيئة ترتبط بالعادات السيئة، ولا يُتَصَوَّرُ أن تتغير السلوكيات، ولا أن تكتسب سلوكيات جيدة، ما لم تقم بأحد أمرين: إما أن تفارق هذه البيئة، أو أن تحدث فيها تغييرًا، لذا إليك بعض النصائح:
ابحث عن الصحبة المناسبة:
فإذا كنت تريد أن تكون تاجر عقار، فاجلس مع العاملين في مجال العقار وتجاره والمهتمين به، وإذا كنت تريد أن تكون عالم حديث، فاختلط بعلماء الحديث واحضر محاضراتهم ودروسهم، وصاحب طلاب هذا العلم.
غيّر صداقاتك القديمة:
إذا كانت صداقاتك القديمة مع أشخاص سلبيين، فابحث عن صداقات جديدة مع آخرين إيجابيين يرون الحياة من حيث تراها أنت، واستقطب إليك من يشاركونك نفس الاهتمامات والأهداف.
تخلَّص من كل صداقاتك القديمة، وأحط نفسك بالبيئة المناسبة؛ لكي تصل إلى النتيجة المطلوبة، وهي التحفيز الدائم.
لذلك فإن أول نصيحة يقدمها الطبيب النفسي لمريضه مدمن الكحول، أو المخدرات، الذي يطلب منه العلاج، هي أن يهجر بيئته السيئة التي ستقوده للوراء.
غيّر في بيئتك:
إن لم تستطع الانتقال إلى هذه البيئة الجيدة، فحاول أن تغيِّر في بيئتك بالتدريج، يقول علماء التغيير والنجاح: (إن الإنسان يملك جاذبية كالمغناطيس، يجذب إليه الأشخاص والأحداث، التي تتناسب مع طريقة تفكيره) ويؤكد ذلك بريان تراسي: (إنك دائمًا ما تجتذب إلى حياتك الأشخاص والأفكار والظروف التي تتلاءم مع أفكارك المهيمنة عليك، سواء كانت إيجابية أم سلبية)، وما دمت قد غيّرت تفكيرك؛ فتوقع أن يتغير من حولك، أما إن لم يتغير من حولك، فراجع نفسك، ربما لم تصدق عزيمتك.
في الاتحاد قوة:
إذا كان أحد أصدقائك أو أقاربك يشاركك نفس الأهداف، فانضم إليه، وكوّن معه اتحادًا قويًا، وادعما بعضكما البعض بالكلمة والتذكير والتشجيع، سيرا سويًا باتجاه أهدافكما المشتركة.
انظر كيف فعلت الصداقة الصالحة بأبي بكر الصديق، عندما صدق مع نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيزٌ حكيمٌ) [التوبة: 40].
وأخيرًا:
تذكر ما قاله شيفارد ميد: (إذا أردنا أن نصنع شيئًا رائعًا مميزًا بالفعل على هذا الكوكب، فليس هناك شيء على الإطلاق يمكنه منعنا من هذا)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ الجزء الثامن من سلسلة اصنع نجاحك.
أهم المراجع:
1. صناعة النجاح، عبد الله بن سلطان السبيعي.
2. الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.
3. أفضل ما في النجاح، كاترين كاريفلاس.
4. تحكم في وقتك، بريان تراسي.
5. قوة الأهداف، كاترين كاريفلاس.
6. القوانين العامة للنجاح، بريان تراسي.