سلسلة اصنع نجاحك 8 .. ابدأ في التنفيذ


مصطفى كُريِّم
(تعتبر الشجاعة بالفعل أول الفضائل لأن عليها تعتمد كل الفضائل الآخرى)
وينستون تشرشل
لا يكفي أن تحدد أهدافك، فالتفكير لا قيمة له ما لم يُترجم إلى فعل، وكل هدف لابد له من بداية ونهاية تربطانه بمدة زمنية محددة يتحقق من خلالها، والوقت يعتبر عنصر أساسي في تحقيق الأهداف، لذا لابد من إدارته لتحقيق أفضل النتائج، ولذلك يقول عنه بريان تراسي: (إن قدرتك على إدارة وقتك لتحقيق النتائج هي المهارة الأساسية للشخصية الفعالة)...

هكذا تُحسب السرعة والمسافات:
إذا عرفت أهدافك وحددتها، فلابد أن تتعرف على المدة اللازمة لتحقيقها، على سبيل المثال: هدفك هو حفظ القرآن، وأنك عزمت على أن تحفظ القرآن خلال خمس سنوات، إذًا أنت بعملية قسمة بسيطة، تحتاج إلى أن تحفظ كل يوم ثلاث آيات ونصف تقريبًا (القرآن الكريم 6236 آية ÷ 5 سنوات = 1248 آية في السنة، 1248 ÷ 360 يومًا = 3.5 آية في اليوم تقريبًا)، وهذا يعني أنك تسير بسرعة 3.5 آية في اليوم لتصل إلى هدفك، وهو حفظ القرآن في المدة التي حددتها وهي 5 سنوات.
استخدم المذكرات السريعة:
مهما كانت قوة ذاكرتك، فإنك تحتاج إلى ما يُذكرك بمهامك وأهدافك اليومية، ومما يفيد في ذلك الملصقات الصفراء التي يمكن الحصول عليها بسهولة من المكتبات، لكن لا تبالغ في ذلك لا تُقيِّد نفسك كثيرًا، وتسبب لها التوتر.
يقول د. عبد الله السبيعي: (أعجبني أحد الزملاء إذ يحمل دائمًا ورقة صغيرة، يخرجها بين الحين والآخر ليكتب فيها شيئًا، وعندما سألته بشأنها وجدته يدوِّن فيها الأفكار التي يسمعها، أو تخطر بباله عند الحديث والنقاش عن أمر ما، يدونها ليوظفها في صياغة أهدافه والتعرف على أقصر الطرق للوصول إليها.
بدا لي كم هو مشغول بأهدافه، وكم هي حاضرة تلك الأهداف أمام عينيه طوال الوقت، لذلك لم يفت عليه شيء يمكن أن يخدمها أو يحققها بأيسر السبل، قال لي عندما أبديت له إعجابي بما يصنع: "فلسفتي في الحياة هي أنه لابد أن يكون هناك طريقة أفضل للقيام بما أقوم به، ومهمتي هي أن أكتشف هذه الطريقة")، إنه يعمل على تطوير نفسه بشكل مستمر.
قس المسافة المتبقية:
المدة اللازمة لتحقيق الهدف، هي الفترة الزمنية الممتدة بين نقطتي البداية والنهاية، ومن العبث أن تسير في طريق دون أن تدري كم قطعت منه، ولا كم بقي بينك وبين محطة الوصول، ولكن إنجازاتك ليست الوسيلة الجيدة لقياس سرعتك وأدائك.
لذا جرِّب هذه المرة أن تقيس نفسك بما يجب أن تحققه، مقارنةً بما يمكن أن تحققه؛ لكي لا تهدر طاقتك فيما لا يفيد.
لذلك فمن المهم أن تقسم الطريق الذي سيوصلك ـ إن شاء الله ـ إلى هدفك الكبير، إلى محطات صغيرة، تعتبر كل واحدة منها هدفًا مرحليًا، ثم انظر كم محطة أنهيت، وكم محطة بقيت لك.
كن واقعيًّا:
كن واقعيًا ولا تعطِ أي مهمة أكثر ولا أقل من المدة الزمنية التي تحتاجها، واحذر من بعض الأخطاء الشائعة في التخطيط، وهي كالآتي:
1. أن تقوم بعمل جدول يومي محكم لا مجال فيه للراحة أو ربما للنوم، ولعله من الممكن أن تفعل ذلك أحيانًا، ولكنك لا يمكن أن تفعله طوال الوقت، إذًا لابد أن تظهر بعض الأمور الطارئة التي لم تكن قد حسبت حسابها، فتخرب عليك كل مخططك ذلك اليوم.
2.   أن تعطي مدة زمنية محدودة لبعض المهام، فيضيق الوقت دون تحقيقها، فيكون ذلك إما محبطًا لك، أو على حساب باقي المهام الأخرى التي تليها وربما تعتمد عليها.
3. أن تعطي مدة زمنية أطول مما تحتاجه المهمة، مما يشعرك بالتراخي والخمول، وقد تفقد الهمة والحماس، حتى إذا ما اقترب الموعد المحدد لإنجازها، بدأت في العمل باستعجال ودون إحكام.
متى ستبدأ؟
كل ما قمت به إلى الآن، جهد مهم وضروري لما يلي من خطوات، ولكنه في الحقيقة لا قيمة له إذا لم تحدد ساعة الصفر التي تُطلق فيها بداية هذا المشروع، فهل يكفي أن تخطط لرحلة وتعد لها العدة، وتحمل كل ما تحتاجه إليه في سيارتك، ثم تتركها واقفة, وتظل تمارس حياتك بشكل عادي؟
لا شك في أنك تتفق معي على أن هذا التصرف ليس على صواب، كل هذا سيضيع سدى؛ لأنك ببساطة لم تحدد موعد السفر، الذي تبدأ منه في حساب المسافة المتبقية ومراقبة جديتك في السير؟
ابدأ الآن؟
فالبداية هي أصعب شيء في أي عمل، وكل شيء عظيم تراه في هذه الحياة بدأ بفكرة بسيطة، ولكن الأفكار وحدها لا تُغَيِّر شيئًا، إذ لابد أن تنقل أفكارك من رأسك إلى أرض الواقع الملموس، لينقلك الواقع بدوره إلى المستقبل السعيد، فما فائدة الأحلام والتفكير والتخطيط، ما لم يُترجم كل ذلك إلى عمل مفيد تلمسه الأيدي وتراه الأعين وتسمعه الآذان.
العالم مليء بالحالمين، ولكنهم كالموتى لا أثر لهم، أما ما نراه من إنجازات ونجاحات غيَّرت وجه العالم، فهي من عمل المستيقظين العاملين، الذين حققوا أحلامهم بحبَّات العرق.
إذًا ابدأ الآن، فأطول مشوار يبدأ بخطوة، وأجمل قصيدة تبدأ ببيت، وأكبر بناء يبدأ بدور واحد، وإذا كنت ترغب في نصائح عملية، فتفضل:
1.   لا تقل سوف أبدأ غدًا:
إذا كنت تملك الوقت اليوم، فلماذا تترك العمل للغد؟ هل تضمن أن الوقت سيكون ملكك غدًا؟ أم أن الأيام ستتصرم وأنت تقول كل يوم سأبدأ غدًا؟ هل تعلم ما يخبئه لك الغد؟
الشيء المؤكد، هو الحاضر الذي أشبه ما يكون بالمال في يدك تتصرف فيه كما تشاء، أما الماضي فإنه مثل الشيك، الذي صُرِفَ من حسابك، وانتهى فلم يعد ملكك، بينما المستقبل مثل الشيك "المؤجل"، الذي لا تستطيع أن تستفيد منه الآن؛ لأنه مجهول في علم الغيب.
2.   لا تكن في الحياة متفرجًا:
يقول أنطوان تشيكوف وهو روائي روسي معروف: (الحياة حفل كبير، يصل إليه البعض متأخرًا، ويتركه البعض قبل أن ينتهي، في حين يبقى البعض الآخر حتى بعد انصراف غالبية المدعوين، وفي الحفل تتركز الأضواء على بعض النجوم، في حين نجد الكثيرين ينزوون عن عيون الناس، فلا يشعرون بأحد، ولا يشعر بوجودهم أحد، ولكن الكل يستوون عندما تُطفأ الأنوار، وينصرف الجميع عائدين من حيث أتوا).
هنا شبَّه الحياة بالحفل، فهل تريد أن تصل إلى الحياة متأخرًا؟ طبعًا لا.
هل تريد أن تعيش في هذه الدنيا مغمورًا؟ طبعًا لا.
هل تريد أن ترحل من الدنيا دون أن تترك أثرًا طيبًا تُذكر به؟ طبعًا لا.
إذًا ... ابدأ الآن بالسير إلى النجاح، فلن يسير هو إليك.
3.   إذا كنت تلوم نفسك الآن، فقد تلومها غدًا أكثر:
كان بدر وخالد في الثلاثينات من عمريهما، وكانا في ركن من المجلس يتحدثان عما فاتهما من فرصة التعليم ويتحسران على الماضي، وفي النفس الوقت الذي كان فيه على وصالح (في الخمسينات من عمرهما) في ركن آخر من المجلس، يدور بينهما نفس الحديث، ويشكوان تمامًا من نفس الشعور بالندم، من المتوقع جدًا أن يستمر بدر وخالد في ممارسة الشعور بالندم والتحسر على ما فات عشرين سنة أخرى، تمامًا مثل ما يفعله على وصالح الآن، في الخمسين من عمريهما.
المهم في الموضوع أنك إن لم تفعل شيئًا الآن، فستظل تردد نفس الشكوى بعد عشرين سنة، والتحسر على ما فات، والبكاء على الأطلال، لن تعيد كتابة الماضي، ولن تجدي في تصحيح الأخطاء؛ لذلك فمن المهم أن تقوم الآن بما قد تتمنى بعد عشرين سنة لو أنك قمت به.
4.   استعمل التقويم:
حدد تواريخ معينة على التقويم في مفكرتك تكفي لتحقيق أهدافك، وكما أن أهدافك يجب أن تكون محددة، فلابد أن تكون التواريخ أيضًا محددة، ولا مكان عند الناجحين للمماطلة.
التقاويم موجودة في كل مكان، وهناك أشكال عديدة منها، فإن كنت صاحب مكتب، فضع تواريخ بداية أهدافك ومهامك اليومية، أو الأسبوعية، أو الشهرية على التقويم الخاص بمكتبك.
أما إن لم تكن صاحب مكتب فيمكنك حمل تقويم الجيب الذي يوفر لك نفس الخصائص، حتى الهاتف الجوال الآن أصبح يقوم بهذه المهمة، بل إنه يمكن أن يقوم بتذكيرك عند نقطة البداية، ويمكن أن يعيد لك التذكير كل 15 دقيقة مثلًا، أو كل يوم في وقت محدد، حتى تنجز المهمة.
وأخيرًا:
تذكر ما قاله تشارلز كاليب كولتون: (أصحاب العقول العظيمة يجب أن يكونوا مستعدين دائمًا ليس لاغتنام الفرص فحسب، ولكن صنعها أيضًا)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ الجزء التاسع من سلسلة اصنع نجاحك.
أهم المراجع:
1.   صناعة النجاح، عبد الله بن سلطان السبيعي.
2.   تحكم في وقتك، بريان تراسي.
3.   الالتزام بالامتياز، كاترين كاريفلاس.
4.   الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.