جايمس بيورك ونجاح (جونسون أند جونسون)


محمد العطار
عندما تدخل إلى الردهة في مقر شركة جونسون أند جونسون في نيوبرونسويك، نيوجرسي، ستجد ثقافة الشركة منقوشة على لوحة جدارية من الحجر، فتنص رسالة جونسون أند جونسون على أن الشركة مسؤولة أمام زبائنها أولًا، ثم أمام موظفيها، ثم أمام المجتمع وأخيرًا أمام المساهمين...

، لهذا ـ عزيزي القارئ ـ سنتعرف على حياة ذلك القيادي جايمس بيورك صاحب شركة جونسون أند جونسون وذلك من خلال عناصر المقال:
أولًا ـ قصة بدايته:
(سر النجاح في الحياة يكمن في أن يكون المرء مستعدًا عندما يأتي دوره).       
بنجامين ديزرائيلي.


ولد في 28 فبراير 1925م في روتلاند، فيرمونت، كان والده يعمل كمندوب مبيعات لصالح شركة لبيع الرخام ثم عمل مندوبًا لشركة للتأمين على الحياة، وكانت والدته ربة منزل، عندما كان طفلًا صغيرًا، عمل بيروك في بيع النرجس الأصفر الذيك كان يقطفه من حقل قريب من منزله خارج المباني.


عرض على صاحبة الحقل تقاسم الأرباح معها مناصفة، لكنها لم تقبل أن تأخذ منه شيئًا، كما كان يبيع أشجال أعياد الميلاد مترددًا على البيوت في الشوارع، ويصف نفسه في تلك المرحلة فيقول: (كنت شخصًا بدأ العمل في التسويق من الدرجة الرابعة).


تخرج من الكلية بشهادة بكالوريوس في الأقتصاد، ونال شهادة الماجستير في العلوم التجارية من كلية هارفرد للتجارة، وانضم بعد ذلك إلى بروكتر أند غامبل، ثم إنضم إلى جونسون أند جونسون كمدير للإنتاج في 1953م، ثم عين نائب الرئيس التنفيذي لقسم المنتجات الاستهلاكية في عام 1965م، وفي عام 1976م انتخب رئيسًا لمجلس الإدارة وأصبح المسؤول التنفيذي الرئيسي في جونسون أند جونسون.
ثانيًا ـ بداية النجاح مع المحنة:


(إذا لم يأت الشتاء فلن يكون الربيع جميلًا: وإذا لم نتذوق العسر فلن يحلو لنا اليسر).  شارلوت برونتي.


أظهر بيورك مواهبة أثناء معالجته لأزمة التيلينول في العام 1982م، كان بريان بيركيتر، الرئيس العالمي الحالي لمجموعة المستحضرات الصيدلية الاستهلاكية والغذائية التابعة لجونسون أند جونسون، مديرًا للإنتاج في ماكنيل كونسيومر برودكتس التابعة لجونسون أند جونسون والتي تصنع التيلينول، وكان عمره آنذاك 28 عامًا.


يتذكر بيورك بأنه كان رجلًا (يملك رؤية واضحة ويملك المقدرة على حمل الشركة على فعل ما بدا أنه ضرب من المستحيلات، فقد قدم لحضور اجتماع ماكنيل فور التبيلغ عن حالة الوفاة الأولى، ووقف أمام موظفي المبيعات والتسويق لدينا وقال: (انظروا، لدى تحد أعرضه عليكم، أنا مستعد لأن أدفع لكم أجر أسبوع إضافي إذا استطعتم مجابهة هذا التحدي، لا أعرف إن كان في مقدوركم فعل ذلك، لكنني أريدكم أن تعرفوا بأن التحدي ماثل أمامكم).


ما أراده بيورك وحصل عليه كان خطة عمل فورية تضمنت سحب 31 مليون قارورة تيلينول تبلغ قيمتها 100 مليون دولار، وإنشاء خط ساخن مجاني للمتسهلكينن والتعاون الوثيق مع وسائل الإعلام، ومجتمع الرعاية الصحية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وإدارة الأغذية والعقاقير لتقاسم المعلومات وإبقاء الناس على إطلاع بمجريات الأمر.


ويقول بيركنز بأن بيورك (كان يسيطر على الوضع بدرجة كبيرة، ويضع النقاط على الحروف في ما بدا مهمًا في كل ساعة خلال تلك الفترة)، وبعد ثلاث سنوات تمكنت الشركة من التعافي واستعادة حصتها في السوق بالكامل، والأهم من ذلك أنها حافظت على ثقة الناس بمنتجاتها، وفي 10فبراير 1986م، عندما توفيت إمرأة من جراء تناولها عقار تيلينول، كانت الشركة تعلم بالضبط ما ينبغي عليها فعله: ففي غضون أسبوعين، تم استحداث قوة مبيعات كاملة بدأت سلسلة من الإجراءات لحصر الأضرار.


يقول بيورك بأن جنرال جونسون (عدد إخفاقاتي ـ كانت كافة التفاصيل موجودة أمامه ـ ثم وقف وصافحني وقال إنه يريد تهنئتي، كان يفهم بأن العمل يتطلب المجازفة وأن التجارة بالمنتجات الاستهلاكية عمل شديد الخطورة، ولذلك قال في نهاية اللقاء بأن على أن أرفع تقاريري إلى إبنه، وأن الشركة ستكون مسؤولة عن تسويق المنتجات الجديدة في العالم أجمع، ثم جلس وعاد إلى عمله).


كان بيورك يؤكد باستمرار على الثقافة التي تركز على الزبون، وهو يقول: (إن الأمر يتعلق بالزبون دائمًا، وكلما كنت أقرب إلى الزبون، كلما امتكلت قدرة أكبر على تحديد ما ينبغي عمله، وعلى المجازفة في القيام بذلك العمل، إنني أؤمن بقوة اللامركزية، فأسم اللعبة هو من القاعدة إلى القمة "لا" من القمة إلى القاعدة، كما كان عليه الحال في معظم الشركات الأخرى، ويتعين أن تتبع الشكرة التي تنتج المواد الأستهلاكية هذا المبدأ اكثر من أي شركة أخرى لأنه يتعين أن يكون موظفوها قريبين من المستهلك، وهذا كان يعني التخلص من المركزية في عملية صنع القرار وإسنادها إلى القاعدة في الأسفل).


كانت التقارير السنوية التي تعدها جونسون أند جونسون خلال السنوات التي كان بيروك الرئيس والمسؤول التنفيذي الرئيسي فيها تسرد (المنتجات والإبتكارات الأكثر أهمية) في كل عام، وخلال مدة عمله في الشركة، تضمنت هذه اللوائح حوالي 175منتجًا جديدًا، بالإضافة إلى استكمال حوالي 15 عملية تملك لوحدات قائمة أو تأسيس وحدات جديدة.


وقبل تقاعده بفترة وجيزة، وصفت مقالة نشرت في البيزنس ويك سنة 1988م بيورك بأنه رجل (مولع بحث الناس على ركوب المخاطر، رئيس متطلب يمكنه الصراخ في اجتماع صاخب للموظفين، أمضي سنوات عمره وهو يعمل على تشجيع مدرائه على التحلي بالجرأة ... وعمل باستمرار على تنشيط النظام).


ولذا؛ يقول روبين سبكيولاند: (بعد ذلك تمكنت الشركة من وضع معايير جديدة للسلامة في السوق عن طريق العبوات التي لا يمكن العبث بها، حيث أصبحت من المقاييس الشائعة في الشركات الأخرى).
ثالثًا ـ تقاعد عن العمل:
(إن عددًا ضخمًا من المديرين يحالون إلى التقاعد وهم لا يزالون غارقين في العمل).
بيتر دراكر.


بعد أن تقاعد عن العمل في جونسون أند جونسون، وسع بيروك أفكاره المتعلقة بالمخاطر لتشمل العالم الذي لا يبتغي الربح وعلى وجه الخصوص، الشراكة من أجل أمريكا خالية من المخدرات، بيروك الذي بدأ عادة التدخين عندما كان في الثانية عشرة من عمره، وأقلع عنها عندما أصبح في الثانية والأربعين من العمر، يقول بأنه كان يستهلك علبتين في اليوم، وأنه أصبح مدمنًا بلا شك، (كان ذلك إدمانًا حاربته مرات ومرات، وأخيرًا، وجدت أن أمامي فرصة أخيرة للتوقف عن التدخين، وهذا ما قمت به، ونتيجة لتوقفي عن التدخين، وصلت إلى استنتاج مفاده أنه ينبغي أن أكون قادرًا على مساعدة الآخرين الذين يعانون من مختلف أنواع الإدمان، وأدركت بأنه باتباع السلوك الصحيح، يمكن للمرء فعل أي شئ تقريبًا، وهذا سبب اهتمامي بفكرة الشراكة من أجل أمريكا خالية من المخدرات).


وفي مقابلة أجرتها معه مجلة خريجي كلية هارفرد للتجارة، أشار إلى أن المجتمع التجاري (قد أفسد النظام بتوظيفه مجالس إدارة يشعرون بالامتنان للمسؤول التنفيذي الرئيسي) فلا ينبغي أن تدار الشركة بواسطة مجلس إدارة مستقل ومدير قائد وحسب، بل إن المدراء التنفيذيين بحاجة إلى (إعادة بناء أجندة للثقة، لأنه لن يحدث شئ جيد بدون ثقة، وبواسطة الثقة يمكنك التغلب على كافة أنواع العراقيل، وبها يمكنك بناء شركات يستطيع كل إنسان أن يفخر بها).


في عام 1989م تقاعد بيورك من عمله في شركة جونسون آند جونسون، بعد أن أمضى فترة أربع سنين زيادة عن المدة المتوقعة بسبب أزمة التيلينول، ثم بعد ذلك في نفس العام أصبح رئيس (الشراكة من أجل أمريكا خالية من المخدرات)، وهي منظمة لا تستهدف الربح قام بتأسيسها اتحاد وكلات الإعلان في عام 1985م، وقد اشتهرت بسبب حملتها الإعلانية القومية لمحاربة المخدرات.


وفي عام 2000م منحه الرئيس بيل كلينتون وسام الحرية الرئاسي بسبب إنجازاته وإسهاماته البارزة في المجتمع كرئيس للشراكة من أجل أمريكا خالية من المخدرات ولشركة جونسون أند جونسون، وفي دراسة حول سمعة 60 شركة أجرتها مؤسسة هاريس إنترأكتف ومؤسسة ريبيوتايشن، حصلت جونسون أند جونسون على المرتبة الأولى للسنة الخامسة على التوالي، كما بين التقرير تراجع معدلات سمعة كافة الشركات، مما يشير إلى أن الشعور بعدم الثقة في الشركات الأمريكية زاد عما كان عنه في الماضي القريب.
المراجع:
1- نخبة القادة الإدارييين، موكول بانديا، وروبي شيل.
2- اضغط الزر وانطلق، روبين سبكيولاند.
3- الخطوات الذكية للمسؤولين، سام ديب ولايل سوسمان.
4- عدة المدير الجديد، روبرت كريتيندون.
5- لليوم أهميته، جون سي. ماكسويل.